إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محطات في تاريخ الترجمة العربية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محطات في تاريخ الترجمة العربية

    قد يكون هذا الموضوع طويل جدا، ويسأم البعض قراءته،الا ان ذلك لايمنع ان يكون هناك من يرغب بمعرفة مثل هذه المعلومات، وهي معلومات عامة، نقلتها بتصرف من بعض المقالات حول هذا الموضوع0

    00000000 محطات في تاريخ الترجمة العربية 00000
    عرف العرب الترجمة منذ أقدم عصورهم، ولقد أشار الدكتور عبد السلام كفافي في كتابه "في الأدب المقارن" إلى أن العرب كانوا "يرتحلون للتجارة صيفاً وشتاءً ويتأثرون بجيرانهم في مختلف نواحي الحياة، لقد عرفوا بلاد الفرس، وانتقلت إليهم ألوان من ثقافتهم... وانتقلت بعض الألفاظ الفارسية إلى اللغة العربية، وظهرت في شعر كبار الشعراء، وكان الأعشى من أشهر من استخدموا في شعرهم كلمات فارسية. كذلك عرف البعض جيرانهم البيزنطيين"0‏

    إذن احتك العرب منذ جاهليتهم بالشعوب الثلاثة المحيطة بهم، وهي الروم في الشمال والفرس في الشرق والأحباش في الجنوب، ومن الصعب قيام مثل هذه الصلات الأدبية والاقتصادية دون وجود ترجمة، وإن كانت في مراحلها البدائية.‏

    وفي زمن الدولة الأموية، تمت ترجمة الدواوين، واهتم بحركة الترجمة الأمير خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان0‏

    1-الترجمة في العصر العباسي: وبعد الفتوحات العربيّة، واتساع رقعة الدولة العربيّة نحو الشرق والغرب، واتصال العرب المباشر بغيرهم من الشعوب المجاورة وفي مقدمتهم الفرس واليونان ولا سيما في العصر العباسي، ازدادت الحاجة إلى الترجمة، فقام العرب بترجمة علوم اليونان، وبعض الأعمال الأدبية الفارسية، فترجموا عن اليونانية علوم الطب والفلك والرياضيات والموسيقى والفلسفة والنقد.‏

    وبلغت حركة الترجمة مرحلة متطورة في عصر الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون، الذي يروى أنّه كان يمنح بعض المترجمين مثل حنين بن اسحق ما يساوي وزن كتبه إلى العربية ذهباً، ومن المعروف أنّ المأمون أسس دار الحكمة في بغداد بهدف تنشيط عمل الترجمة، ومن المعروف أن حنين بن اسحق ترجم وألف الكثير من الكتب وفي علوم متعددة، وتابع ابنه اسحق بن حنين بن اسحق هذا العمل.‏

    ففي القرن التاسع الميلادي، قام العرب بترجمة معظم مؤلفات ارسطو، وهناك مؤلفات كثيرة ترجمت عن اليونانية إلى العربيّة، وضاع أصلها اليوناني فيما بعد، فأعيدت إلى اللغة اليونانية عن طريق اللغة العربية أي أنها فيما لو لم تترجم إلى اللغة العربيّة لضاعت نهائياً.‏

    وكان المترجمون من أمثال حنين بن اسحق وثابت بن قرة يتقنون اللغة العربية والسريانية وكذلك‏

    العلوم التي يترجمونها. وكان حنين بن اسحق قد عاش فترة في اليونان بهدف دراسة اللغة اليونانية، وكان يترجم الجملة بجملة تطابقها في اللغة العربية، ولا يترجم كل مفردة على حدة، كما ترجم يوحنا بن البطريق وابن الحمصي وغيرهما. وكذلك فإن الطريقة التي اتبعها حنين بن اسحق هي الأفضل. من بين الكتب التي ترجمها حنين بن إسحق كتاب "الأخلاق" لأرسطو، وكتاب "الطبيعة" للمؤلف نفسه. وكان العرب في العصر العباسيّ يهتمون بدقة الترجمة ولهذا ظهرت عدة ترجمات لنص واحد، فعلى سبيل المثال ترجم أبو بشر متى بن يونس كتاب "الشعر" لأرسطو (384-322) ثم ترجمه مرة ثانية يحيى بن عدي. فتكرار الترجمة يدل على الحرص على دقتها.‏

    2-ترجمة كتاب "كليلة ودمنة": ترجمه ابن المقفع حوالي 750م، ألف كتاب "كليلة ودمنة" باللغة السنسكريتية الفيلسوف الهندي بيدبا وقدمّه هدية لملك الهند دبشليم الذي حكم الهند بعد مرور فترة من فتح الاسكندر المكدوني لها، وكان ظالماً ومستبداً، فألف الحكيم بيدبا الكتاب من أجل إقناعه بالابتعاد عن الظلم والاستبداد، وبهدف إسداء النصيحة الأخلاقية. والكتاب مجموعة من الأمثال على ألسنة الحيوانات.‏

    وقام الطبيب الفارسي برزوية بنقل الكتاب من بلاد الهند وساهم بترجمته من السنسكريتية إلى الفارسية في عهد كسرى أنو شروان ووزيره بزرجمهر، الذي له دور كبير في تأليف وترجمة الكتاب.‏

    وقام عبد الله بن المقفع وهو فارسي الأصل في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور بترجمته من الفارسية إلى العربية وأضاف إليه بعض الأشياء، وكان هدف عبد الله بن المقفع من ترجمة "كليلة ودمنة" تقديم النصيحة للمنصور للكف عن ظلم العباد، فأراد ابن المقفع من كتابه الإصلاح الاجتماعي، والتوجيه السياسي، والنصح الأخلاقي. ولكنه نفسه لم ينج من الظلم فقتله الخليفة.‏

    ولقد حدث أن أعيدت ترجمة كتاب "كليلة ودمنة" إلى اللغة الفارسية عن النص العربيّ، لضياع الترجمة الفارسية وهو الأمر نفسه الذي حدث لبعض النصوص الإغريقية وكانت لغة عبد الله ابن المقفع جميلة بعيدة عن الابتذال وتمت الترجمة، كما هو معروف عن لغة وسيطة، لأن الكتاب بالأصل كتب باللغة الهندية القديمة، وليس باللغة الفارسية.‏

    وجرت على الكتاب بعض التعديلات قام بها الطبيب الفارسي برزوية أثناء الترجمة إلى الفارسية وكذلك أضاف الوزير الفارسي بزرجمهر بعض الأشياء إلى الكتاب مثل ما يخص بعثة برزوية إلى بلاد الهند، وأثناء الترجمة من الفارسية إلى العربية أضاف عبد الله بن المقفع بعض الأشياء، ولقد أشار إلى هذه الأمور فاروق سعد في مقدمته لكتاب كليلة ودمنة0

    وبالوقت ذاته بدأت الترجمة في العصر العباسي من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية، ولقد أشار المستشرقون إلى دور العرب في الحضارة الأوروبية، في هذه الفترة. كما أشار بعض الأدباء الغربيين إلى فضل علوم العرب على الغرب نذكر من هؤلاء الأديب الألماني غوته (1749-1832).‏

    3-آراء الجاحظ حول الترجمة: وظهرت في العصر العباسي دراسات نقدية عن الترجمة نذكر منها آراء الجاحظ (780-868) الذي كان يرى أنّ المترجم الجيد يجب أن يكون من مستوى فكري لا يقل عن مستوى المؤلف المترجم عنه وأنّ تكون معرفته بالموضوع جيدة، وإلا فقد تكون الترجمة غير دقيقة.‏

    ويؤكد الجاحظ على ضرورة معرفة المترجم اللغتين المترجم عنها، والمترجم إليها معرفة تامة.‏

    ويرى الجاحظ أن الذين يمزجون في كلامهم بين لغتين، ليسوا أهلاً للثقة، لأنهم لا يتقنون أيّاً منهما إتقاناً تاماً. ويشدد الجاحظ على ضرورة سبك المضمون بأسلوب عربيّ سليم(5).‏

    وعلى الرغم من أنّ آراء الجاحظ عن الترجمة، جاءت في القرن التاسع الميلادي، إلاّ أنها مازالت صالحة إلى يومنا الحاضر. فبعد مرور عشرة قرون عليها وضع المفكر الروسيّ بليخانوف (1856-1918) شروطاً للمترجم الجيد وللترجمة الجيدة، تتطابق مع الشروط التي وضعها الجاحظ، كما أكد الدكتور سامي الدروبي (1921-1976) في النصف الثاني من القرن العشرين على الشروط ذاتها.‏

    وللجاحظ آراء في ترجمة الشعر، فهو يرى أنّ ترجمة الشعر تفقده الكثير من جماله ومحاسنه. وهذا لا يعني أنّ الجاحظ كان ضد الترجمة، بوجه عام، ولكنّه كان يضع شروطاً مشددة للترجمة الجيدة. لكي لا يتوهم المترجم ولكي لا يوهم الآخرين أنّ النص المترجم معادل للنص الأصلي من الناحيتين الدلالية والجمالية، إلا إذا كان المترجم عبقرياً ومبدعاً ومؤهلاً.‏

    وفي القرن الثالث عشر قام الفتح بن علي البنداري بترجمة ملحمة "الشاهنامة" للفردوسي من الفارسيّة إلى العربيّة. وهو عمل كبير وعظيم.‏

    4-الترجمة في القرن التاسع عشر: إذا كان المأمون لعب دوراً هاماً في تاريخ الحضارة العربية بإحداثه دار الحكمة في بغداد فإنّ محمد علي حاكم مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، (1805-1849)، قد لعب دوراً إيجابياً في نهضة العلم والأدب في مصر، وبالتالي في الوطن العربي فأسس مدرسة الألسن عام 1935 وتولى الشيخ رفاعة الطهطاوي (1801-1873) الإشراف عليها، وثم أنشأ قلماً للترجمة عام 1841.‏

    كما لعب الخديوي إسماعيل دوراً هاماً في تنشيط حركة الترجمة التي كانت نشيطة في مركزين الأول في مصر والثاني في بلاد الشام. ونذكر بعض الأعلام الذين بذلوا جهداً مشكوراً في هذا المجال مثل بطرس البستاني ولد (1819) وإبراهيم اليازجي (1847-1906) ونجيب حداد الذي نقل إلى العربيّة مأساة شكسبير (1564-1616) "روميو وجولييت".‏

    5-سليمان البستاني (1856-1925) مترجماً: ولد في لبنان عام 1856 وحصل على الشهادة الثانوية في المدرسة الوطنية ببيروت، وكان يتقن اليونانية والألمانية الإنكليزية والفرنسية والإيطالية وتوفي في نيويورك عام 1925. ترجم "الإلياذة" مستنداً إلى لغات خمس هي الإنكليزية والفرنسية والألمانية واليونانية والإيطالية، وعمل بترجمتها ثمانية أعوام من عام 1887-1895 ثم شرحها وعلق عليها وكتب مقدمة لها خلال سبعة أعوام أي من عام 1895-1902، وصدرت عام 1903 عن دار الهلال بالقاهرة. وتقع المقدمة التي كتبها سليمان البستاني للإلياذة في مئتي صفحة، وقام البستاني بترجمة الإلياذة شعراً.‏

    يقول البستاني عن طريقته في الترجمة: "عمدت إلى ترجمة فرنسيّة منها، كانت بين يدي، إلى جانب ترجمة إنكليزية، وأخرى إيطالية..." وأخذ البستاني يدرس اليونانية ويدرس الكتب النقدية عن الإلياذة وكان أثناء إقامته بالأستانة يستعين بأصدقائه اليونان في مساعدته في الترجمة.‏

    وكان يعرض على أصدقائه ترجمته قبل طباعتها ليستأنس بآرائهم. وتعلم اليونانية لأنّه وجد خلافاً بين الترجمتين الفرنسية والإنكليزية، فرأى ضرورة الترجمة عن الأصل من أجل الأمانة والدقة. وبما أنّ الإلياذة غير معروفة للقارئ العربي، ولن تكون مفهومة قرر كتابة مقدمة مطولة لها، وأجرى فيها مقارنة‏

    بين الأدبين العربي واليوناني وكتب شروحاً خاصة كافية لفهم ملحمة الإلياذة التي يزيد عدد أبياتها عن 15 ألف بيت.‏

    وبذلك فإن البستاني بذل جهداً كبيراً وكان شاعراً كبيراً، ومطلعاً على لغات كثيرة، وذا معرفة واسعة بالأدب العربي والآداب العالمية.‏

    6-سليم قبعين- مترجماً (1870-1951) سليم قبعين- خريج دار المعلمين الروسية بمدينة الناصرة بفلسطين، يعّد من أنشط المترجمين العرب في مطلع القرن العشرين، الذين نقلوا مؤلفات تولستوي عن اللغة الروسيّة إلى اللغة العربية مباشرةً.‏

    تعلق سليم قبعين بأفكار تولستوي، وبشّر بفكرته حول الكمال الروحي، وحاول أن يقيم مزارع جماعية، على طريقة كومونة تولستوي، التي انتشرت آنذاك في روسيا.‏

    ترجم سليم قبعين ثلاثية تولستوي "الطفولة" (1852) و"المراهقة" (1854) و"الشباب" (1856) وذلك بعنوان "مذهب تولستوي" إلا أنّ هذه الترجمة التي صدرت عام 1901 لم تكن دقيقة، فأضاف المترجم أشياء كثيرة ليجعل تولستوي في شبابه مثالاً للأخلاق الحسنة، وحذف أشياء كثيرة، علماً بأن تولستوي كان في شبابه إنساناً عادياً، ولم يبشر بعبقرية فذة، كما اتضح فيما بعد.‏

    وترجم سليم قبعين عام 1904 قصة تولستوي "لحن كريتسر" (1889) وأيضاً في هذه الترجمة لجأ إلى الحذف والإضافة، فأراد المترجم أن يسخّر هذه القصة من أجل الدعوة إلى تحرير المرأة، تلك الدعوة التي أطلقها قاسم أمين (1865-1908) والتي عبّر عنها في كتابيه "تحرير المرأة" (1899) و"المرأة الجديدة" (1901)، ولقد أشار إلى هذه النقطة المستشرق الروسي الأكاديمي كراتشكوفسكي (1883-‏

    1951). يقول: "إنّ الصحفي الجيد سليم قبعين، الذي قدّم الكثير للأدب العربيّ المعاصر في مجال تعريف القراء العرب بالأدب الروسيّ، والذي قام عام 1904 بترجمة قصة تولستوي "لحن كريتسر"، وبذلك وسع أفق المسألة، التي طرحها قاسم أمين حول تحرير المرأة".‏

    كما ترجم عام 1904 كتاب تولستوي بعنوان "إنجيل تولستوي وديانته" وترجم عام 1909 كتاباً لتولستوي بعنوان "هدم مملكة جهنم وتجديدها" وترجم عام 1912 كتاباً لتولستوي بعنوان "حِكَم النبي محمد"، ومن بين الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في الكتاب: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه". وبذلك فإن سليم قبعين كان يترجم عن الروسية مباشرة إلا أنّه عن عمد وقصد كان يزيد ويحذف وهو من أوائل المترجمين العرب الذين عرفوا القارئ العربي بالأدب الروسي لأنه أحب هذا الأدب ولأنه رأى ضرورة ترجمة الأدب الروسي الذي لم يكن معروفاً بالشكل المطلوب في البلاد العربية مع أنه أدب غني وعالمي إذْْ أن الأدبين الإنكليزي والفرنسي هما اللذان كانا منتشرين في الأقطار العربية.‏

    8-كبار الأدباء العرب يعملون في الترجمة: نذكر من هؤلاء الأدباء العرب أحمد حسن الزيات، خليل مطران، الدكتور طه حسين، مصطفى لطفي المنفلوطي.‏

    شهدت حركة الترجمة في القرن العشرين نشاطاً ملحوظاً. ولاسيما عن اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وكانت معظم الأعمال الروسية والألمانية والإسبانية تترجم عن هاتين اللغتين لعدم وجود مترجمين عن هذه اللغات مباشرةً.‏

    ويرى الدكتور عيسى علي العاكوب أنّ أدباءنا "أخذوا يتطلعون جدّياً إلى الإفادة من آداب الأمم الأخرى، وكان حاديهم إلى ذلك إدراكهم أن أدبنا الحديث يجب أن يقوم لا على أساس أدبنا القومي في ماضيه فحسب، بل يقوم كذلك على أنّه لبنة في ذلك البناء العالمي الشامخ.‏

    ولقد مارس معظم الأدباء العرب الترجمة حتى أولئك الذين لا يعرفون لغة أجنبية، كانوا يمارسون الترجمة، مثال على ذلك تلك الترجمة التي قام بها مصطفى لطفي المنفلوطي، (1876-1924) فلقد كان يطلب من أصدقائه، أن يقرؤوا له، ويقصوا عليه، ويقوم المنفلوطي بتدوين أحداث القصص التي يسردها أصدقاؤه، ويعيد صياغتها بأسلوب أدبي ناصع، ولقد أشار الكاتب أحمد حسن الزيّات إلى طريقة المنفلوطي في الترجمة. هكذا نقل لنا رواية "ماجدولين" أو تحت ظلال الزيزفون للكاتب الفرنسيّ ألفونس كار، وكتاب "الفضيلة" و"في سبيل التاج" عام 1920 وأهداه لسعد زغلول وكتاب "الشاعر" عام 1921.‏

    وقامت الأديبة المعروفة مي زيادة عام 1913 بترجمة قصة "الحب الألماني، من أوراق غريب" عن اللغة الألمانية مباشرة، علماً بأنها كانت لا تجيدها بالقدر المطلوب ولقد أشارت نفسها في المقدمة إلى هذه النقطة. وصدرت بعنوان "ابتسامات ودموع" ويذكرنا العنوان الذي اختارته مي زيادة بعنوان كتاب جبران خليل جبران (1883-1931) "دمعة وابتسامة" وهو واحد من الكتب الذي أصدرها جبران خليل جبران، باللغة العربيّة، ومن المعروف أن العلاقة بين مي زيادة وجبران كانت علاقة ودية.‏

    وكانت مي زيادة تحبّ مثل هذه العناوين فلها كتاب بعنوان "ظلمات وأشعة" ولقد أصدرت مي زيادة طبعة ثانية لقصة "ابتسامات ودموع" عام 1921.‏

    من الأدباء الذين مارسوا الترجمة أحمد حسن الزيات (1885-1968). إذ قام عام 1919 بترجمة رواية "آلام فرتر" 1774 للشاعر والروائي الألماني غوته (1749-1832). وقام بترجمة أعمال أخرى مثل "روفائيل" للشاعر الفرنسي لامارتين، وقام بترجمة قصيدة "البحيرة" للشاعر نفسه نثراً، علماً بأن الدكتور نقولا فياض، ترجمها شعراً، وكذلك فعل علي محمود طه، وأجرى الدكتور جمال شحيد مقارنة بين الترجمات الثلاث وتوصل إلى أنّ ترجمة أحمد حسن الزيّات ترجمة أمينة.‏

    وضع الدكتور طه حسين (1889-1973) مقدمة لترجمة الزيات لرواية "آلام فرتر" وركّز في مقدمته إلى حاجة المكتبة العربية إلى هذه الرواية، وإلى ضرورة انتقاء الأعمال العالمية لترجمتها وعدم ترجمة الأعمال الضارة والرديئة.‏

    د. طه حسين مترجماً:‏

    ومن بين الذين عملوا في حقل الترجمة الدكتور طه حسين (1889-1973) فلقد ترجم مأساة. "أوديب- ملكاً" للشاعر الإغريقي سوفوكليس (496-406) ق. م وكتب مقدمة لها، وكذلك ترجم مأساة "أوديب في كولونا" للشاعر الإغريقي ذاته، وكتب أيضاً مقدمة لها، وترجم مأساة "الكترا" ومأساة "فيلوكتيتيس" ومأساة "أنتيغونا" ومأساة "أندورماك" وبالتالي فلقد ترجم مؤلفات سوفوكليس كلّها التي وصلت إلينا.‏

    وترجم د. طه حسين لفولتير قصة "القدر" وكتب مقدمة لها وقام بترجمة أعمال إبداعية لأدباء فرنسيين آخرين.‏

    بالإضافة إلى ترجماته الكثيرة عن الأدبين الإغريقي والفرنسي قام الدكتور طه حسين بوضع مقدمات لبعض الترجمات التي قام بها مترجمون آخرون، وكان الدكتور طه حسين يرى أنّنا بحاجة ماسة إلى معرفة الآداب الأجنبيّة وتقوم الترجمة بدور أساسي في هذا المجال. ورأى ضرورة معرفة الأدب الأغريقي، فإذا كان سليمان البستاني قد ترجم "الإلياذة" عام 1903، فقد عمد د. طه حسين إلى إتمام هذا العمل فقام بترجمة مآسي سوفوكليس لأنّها من الأعمال المسرحية الهامة في تاريخ المسرح العالمي، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان فلقد كتب عنها أرسطو (382-322) ق. م في كتابه "فن الشعر" وكتب عنها فرويد وغيره كثيرون.‏

    وإذا كان الدكتور طه حسين قد ترجم الأعمال الإبداعية الإغريقية معتمداً على اللغة الفرنسية، التي كان يتقنها إذ حضّر رسالة الدكتوراه في فرنسا وكانت زوجته فرنسية. فإن الدكتور عماد حاتم قد ترجم كتاباً بعنوان "أساطير اليونان" عن اللغة الروسية عام 1988، إلا أنّ كتاب د. حاتم هو دراسة أكثر مما هو ترجمة لأعمال إبداعية وإن كان يسرُد لنا مضمون هذه الأعمال.‏

    -مقارنة بين ترجمة "أوديب الملك" لكل من د. طه حسين وتوفيق الحكيم:‏

    ترجم د. طه حسين المأساة المذكورة عام 1946 وبعد ذلك بثلاث سنوات ظهرت المأساة ذاتها بترجمة توفيق الحكيم.‏

    وكل من د. طه حسين وتوفيق الحكيم يضع مقدمة لهذه المأساة ويبدأ د. طه حسين ترجمته بعدة سطور يوجهها للكاتب الفرنسي أندريه جيد الذي كتب عنه في مقدمة المأساة.‏

    يبدأ د. طه حسين ترجمته بكلمات أوديب في حين تبدأ المأساة عند توفيق الحكيم بكلمات ابنته انتيغونا التي تتحدث مع والدتها جوكاساتا، التي هي أم أوديب وزوجته في آن واحد، وابنتاه هما أختاه في الوقت نفسه لأنهما من والدته.‏

    وكذلك نجد خلافاً في بداية الفصل الأول بين الترجمتين المذكورتين، وهو خلاف لابد منه، وإلا فما معنى أن يقوم توفيق الحكيم بترجمة عمل واحد، لم يمض على ترجمته من قبل د. طه حسين سوى ثلاث سنوات.‏

    ولكن السؤال هل جاء توفيق الحكيم بترجمة أفضل من ترجمة د. طه حسين، وإلا فما ضرورة هذه الترجمة، عندما أطلعت على الترجمتين، لا أنكر أنّ الترجمة الأولى هي التي تركت بنفسي انطباعاً أفضل من الثانية.‏

    أمّا الفصل الثاني فيبدأ عند الدكتور طه حسين بكلمات لكريون في حين يبدأ بترجمة توفيق الحكيم بكلمات لأوديب ومن الواضح أن الدكتور طه حسين ترجم "أوديب الملك" من أجل القراء في حين ترجم توفيق الحكيم المأساة ذاتها للمسرح، ولذلك نرى عند توفيق الحكيم العبارات المختصرة، وتحذف التأملات الطويلة التي نجدها عند د. طه حسين.‏

    ولقد اقتبس توفيق الحكيم مسرحية أخرى عن الأدب الأغريقي وهي مسرحية "بجيماليون"، ولقد قام خليل مطران بترجمة عدة مسرحيات لشكسبير (1564-1616) منها المسرحيات التالية:‏

    1-"تاجر البندقية" 2-"عطيل" 3-"هملت" 4-"مكبث".‏

    ومن المعروف أن هناك ترجمات كثيرة لمؤلفات شكسبير منها والتي قام بها محمد عوض محمد، وهو الذي قام بترجمة "فاوست" لغوته وكان الدكتور طه حسين قد كتب مقدمة لها، وظهرت ترجمة أخرى لفاوست عام 1980 قام بها سهيل أيوب الذي أيضاً قام بترجمة أعمال كثيرة.‏

    وإذا تحدثنا عن ترجمة الأدب الألماني فلابد لنا من الإشادة باسم مصطفى ماهر، الذي ترجم كتاب "صفحات خالدة من الأدب الألماني" عن اللغة الألمانية مباشرة وشارك في ترجمة "قصص ألمانية حديثة"، ونشر دراسة بعنوان "الرواية الألمانية في القرن العشرين" وترجم رواية "المحاكمة" لكافكا، وله ترجمات أخرى. كما نقل محمود إبراهيم الدسوقي رواية توماس مان "آل بودنبروك" وهي رواية ضخمة، وهامة وكانت أحد أسباب نيل صاحبها جائزة نوبل للآداب.‏

    ومن الترجمات الهامة في النصف الثاني من القرن العشرين هي تلك التي قام بها الدكتور سامي الدروبي.‏

    -الدكتور سامي الدروبي- مترجماً:‏

    قال الناقد بيلينسكي (1921-1976) عام 1846 للروائي الروسيّ دوستيفسكي بعد أن قرأ مخطوط روايته الأولى وهي رواية الفقراء (1846): سيأتي على روسيا روائيون كثيرون وستنسى روسيا معظمهم، أمّا أنت فلن تنساك روسيا أبداً، لأنّك روائي عظيم، هكذا وصف الناقد بيلينسكي الروائي دوستيفسكي قبل أن ينشر الأخير عملاً روائياً واحداً.‏

    إن ما قاله بيلينسكي (1811-1881) عن دوستيفسكي (1821-1881) نستطيع أن نقوله عن الدكتور سامي الدروبي فلن تنساه حركة الترجمة العربيّة أبداً، لأنّه صفحة مشرقة في تاريخ الترجمة إلى اللغة العربية، تكاد هذه الصفحة لا تقل عن الصفحة التي تركها لنا سليمان البستاني في مطلع هذا القرن الذي ترجم لنا إلياذة هوميروس وكتب مقدمة لها تقع في مئتي صفحة وعمل في الترجمة والتعليق وكتابة المقدمة قرابة ستة عشر عاماً، وصدرت في القاهرة عام 1903.‏

    والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا اختار الدكتور سامي الدروبي أدب دوستيفسكي بالذات ونقله إلى اللغة العربيّة. أعتقد أنّ الإجابة عن هذا السؤال ليست صعبةً، لأنّه أمر ضروري وطبيعي أن ينقل أدب دوستيفسكي إلى اللغة العربية، وهو مترجم إلى كلّ لغات العالم الحيّة.‏

    فدوستيفسكي هو أهم روائي روسيّ، ولا أريد أن أبالغ وأقول هو أهم روائي في العالم، ولقد أشار إلى هذه النقطة جبران خليل جبران في حديثه مع ميخائيل نعيمة (1889-1988).‏

    ولقد نشر نعيمة الحديث الذي دار بينه وبين جبران في كتابه الذي نشره عام 1934 بعنوان "جبران خليل جبران" يقول نعيمة: "... وعندما جئنا على ذكر الأدب الروسيّ أدهشني جبران بقوله إنّه من المعجبين به ولاسيّما بتورغينيف وتولستوي ودوستيفسكي، وبالأخير بنوع خاص،..." ويتابع نعيمة قوله: "ولعله أحبّ أن يجاملني ويجاريني في إعجابي بدوستيفسكي عندما رآني أضعه فوق كلّ كتاب الزمان الأخير بدون استثناء".‏

    والسبب الثاني في اختيار الدكتور سامي الدروبي لأدب دوستيفسكي نراه في رده عن سؤال وجهته إليه زوجته إحسان بيات الدروبي: "أرى أن هذا الكاتب قد استولى على اهتمامك أكثر من أي كاتب آخر.‏

    لماذا هو بالذات، فضحك وقال: "لأنّه من الأدباء الذين لهم نظرة فلسفية، أو الذين كانوا أدباء وفلاسفة في آن واحدٍ، وتابع قوله: بدأت قراءة مؤلفاته بالفرنسيّة وأنا في السادسة عشرة من عمري، فما انقضت بضع سنين، حتى أتيت على آثاره كلها، أعيد قراءتها بلا كلل أو ملل، حتى لقد أخذت أترجم بعض فصوله منذ ذلك الحين...".‏

    ويرى د. سامي الدروبي أنّ دوستيفسكي يمتاز بأنّه معاصر دائماً، حتى إنّنا نرى كثيراً من المذاهب الأدبية والفكرية تنتمي إليه، ورأى الدكتور سامي الدروبي ضرورة ترجمة مؤلفات دوستيفسكي الكاملة لكي تكون في متناول القارئ العربيّ.‏

    وهكذا شاءت الأقدار أن يولد على أرض حمص عام 1921 سامي الدروبي أي بعد مرور مئة عام على ميلاد دوستيفسكي، إذ أنّ دوستيفسكي من مواليد 1821، ولد كاتب عربّي قدر له أن يترجم مؤلفات دوستيفسكي الأدبية الكاملة إلى اللغة العربيّة.‏

    إذن الدكتور سامي الدروبي لا يترجم ما يختاره له الآخرون، وإنّما هو يختار الأعمال التي يجب أن تترجم، وبالتالي فهو ينطلق من نقطة سليمة، ويبدأ بداية صحيحة، لأنّ عمل الترجمة يبدأ من اختيار العمل الذي نريد ترجمته، فهناك أعمال أدبية أجنبية مفيدة لنا، وأخرى ضارة، وبعضها لا ينفع ولا يؤذي، ولكن جهد المترجم وبالتالي القارئ يضيع بلا فائدة. ولقد انتقد الدكتور الدروبي المترجمين الذين يبدؤون الترجمة قبل أن يقرؤوا العمل بكامله، وبالتالي فإن الدكتور سامي الدروبي فهم الترجمة الأدبية على أنّها رسالة سامية وعظيمة، وليست عملاً يتقاضى عنه المترجم مكافأة مادية معينة لأن المكافأة المادية بنظر الدكتور سامي الدروبي هي آخر ما يجب أن ينظر إليه المترجم في عمله، ولذلك فإنّه قام أحياناً بالترجمة مجاناً فيما إذا أعجبه العمل الأدبي، هكذا على سبيل المثال قام بترجمة كتاب "الموسيقي الأعمى" للكاتب الروسيّ كورولينكو وأهدى الترجمة لدار التقدم بموسكو دون مكافأة مادية، ولكن الأقدار شاءت أن يقَرر هذا الكتاب ككتاب للمطالعة في الصف الثالث الإعدادي في سوريا عام 1967 وبلغت عدد نسخ الكتاب، التي صدرت خلال ثلاثة أعوام مئتين وخمسة وسبعين ألف نسخة، وعلم بذلك الدكتور سامي ورأى أن هذه أكبر مكافأة ينالها في حياته إذ أن كتاب "الموسيقي الأعمى" بترجمته دخَل كل بيت في سوريا.‏

    أعود إلى الكاتب الروسيّ دوستيفسكي، الذي اختاره الدكتور سامي الدروبي، إنّ هذا الروائي المعجزة هو بالوقت ذاته عالم من علماء النفس، واختصاص الدكتور سامي الدروبي هو علم النفس، الذي درسّه في حمص وفي جامعة دمشق وألف كتابين بعلم النفس وهما "علم النفس والأدب" وكتاب "علم النفس والتربية"، ولذلك فإنّ مادة الترجمة لم تكن بعيدة عن اهتمامات الدكتور سامي الدروبي، لأنّ علماء النفس كثيراً ما يستفيدون من روايات دوستيفسكي، الذي ركزّ اهتمامه على عالم اللاوعي واللاشعور لدى أبطاله، ولذلك فإنّ عالم النفس الشهير فرويد (1856-1939) كتب عن روايات دوستيفسكي أكثر من مرة في كتبه الكثيرة وأخص بالذكر كتابه "تفسير الأحلام" الذي صدر عام 1900، وترجم فيما بعد إلى اللغة العربية، وله دراسة مكرسة لرواية دوستيفسكي الأخيرة "الإخوة كارامازوف" التي صدرت عام 1880.‏

    وأثار اهتمامي أنّ الدكتور سامي الدروبي بدأ بترجمة بعض أعمال دوستيفسكي قبل أن تكلفه وزارة الثقافة المصرية عام 1966 بترجمة الأعمال الكاملة، فاختار رواية دوستيفسكي "المذلون والمهانون" وأراد نقل هذه الرواية إلى العربيّة قبل غيرها. لأنّ دوستيفسكي يدافع فيها عن المذلين والمهانين، عن الفقراء‏

    والبؤساء، عن أولئك الذين لا يحميهم قانون ولا يدافع عنهم مجتمع، فانبرى دوستيفسكي للدفاع عن المظلومين والمضطهدين، ووجد الدكتور سامي الدروبي في هذه الرواية ضالته المنشودة، فأراد بترجمته لهذه الرواية أن يدافع عن مقهوري الوطن العربي، صحيح أنّ الرواية تصوّر الواقع الروسيّ، ولكنّ الظالم الروسيّ لا يختلف كثيراً عن الظالم في أيّ مكان في العالم، والمظلوم الروسيّ لا يختلف أيضاً عن المظلوم في أيّ مكان آخر، وكان دوستيفسكي كاتباً حراً كاد أن يضحي بحياته في سبيل مبادئه وحكم عليه بالإعدام، وكاد أن ينفذ فيه حكم الإعدام، ولكنّ الحكم استبدل بالأعمال الشاقة في سيبيريا، وأمضى دوستيفسكي عشر سنوات هناك، وكان الدكتور سامي الدروبي يجد في كلمة دوستيفسكي المدافعة عن المظلومين في روسيا كلمةً، تدافع عن المظلومين في الوطن العربيّ ولا سيّما أنّ الدكتور سامي الدروبي ناضل من أجل قضايا الشعب بالقول وبالفعل فتعرض للاعتقال وكان بعثياً شريفاً وصادقاً، مؤمناً بمستقبل الأمة العربيّة.‏

    ترجم الدكتور سامي الدروبي المؤلفات الكاملة لدوستيفسكي في ثمانية عشر مجلداً، يزيد عدد صفحات كلّ مجلد عن سبعمئة صفحة وتتضمن هذه المجلدات رواية "الفقراء" و"المذلون والمهانون" و"الليالي البيضاء" و"في القبو" و"الجريمة والعقاب" و"الأبله" و"الشياطين" و"المراهق" و"الإخوة كارامازوف" وقصص دوستيفسكي القصيرة مثل قصة "الوديعة" ومقالات دوستيفسكي مثل "كلمة عن بوشكين" و"انطباعات شتوية عن رحلات صيفية".‏

    بلغت مؤلفات دوستيفسكي الكاملة باللغة الروسية ثلاثين مجلداً، ثمانية عشر مجلداً للأعمال الإبداعية واثنا عشر مجلداً لرسائله ومسودات أعماله وبعض مقالاته، وأصاب الدكتور الدروبي حين اكتفى بترجمة المجلدات الثمانية عشر الأولى، لأنّ القارئ العربي بحاجة إلى أعمال دوستيفسكي الإبداعيّة أكثر من حاجته إلى مسودات أعماله ورسائله.‏

    وتكتب السيدة إحسان بيات الدروبي عن سعادة زوجها بعد أن أنهى الترجمة المذكورة: "لا أستطيع أن أصف سعادة سامي حين أنهى المجلد الثامن عشر عن المجموعة الكاملة لدوستيفسكي" وتكتب عن اهتمامه الكبير بدقة الترجمة، إذ كان يستيقظ أحياناً في ساعات متأخرة من الليل.لكي يصحح جملة معينة، أو ليضع كلمة مكان أخرى.‏

    وترجم الدكتور سامي الدروبي لكل مجلد مقدمة، تلقي الضوء على الأعمال التي يتضمنها المجلد، وكان باستطاعة الدكتور الدروبي أن يكتب مثل هذه المقدمة النقدية بنفسه بدليل أنه ألف كتاباً بكامله بعنوان "الرواية في الأدب الروسيّ" صدر بعد وفاته بست سنوات أيّ في عام 1982 عن دار الكرمل بدمشق، ولكنه حين ترجم الأعمال الروائية كان يترجم معها مقدمات نقدية.‏

    نفدَت المجلدات الثمانية عشر بسرعة لأنها مؤلفات دوستيفسكي بترجمة الدكتور سامي الدروبي، وأخذت بعد ذلك دار رادوغا بموسكو تنشر بعض روايات دوستيفسكي بترجمة د. سامي الدروبي بعد أن يطلع عليها مختص باللغة الروسيّة، وآدابها وهو الدكتور أبو بكر يوسف من مصر.‏

    هكذا على سبيل المثال نشرتْ رواية "الجريمة والعقاب" في مجلدين، ونشرت رواية "الإخوة كارامازوف" في مجلدين ونشرت رواية "الأبله" في مجلدين ويكتب الدكتور أبو بكر يوسف في مقدمة رواية "الأبله" التي صدرت بترجمة د. سامي الدروبي، مراجعة د. أبو بكر يوسف عن دار رادوغا عام‏

    1985 أنّه تردد حين أقدم على مراجعة ترجمة د. سامي الدروبي مخافة الإساءة إلى هذه الترجمة.‏

    وبعد عام واحد أيّ في عام 1986 أصدرت الدار ذاتها وبالطريقة ذاتها رواية "المراهق" في مجلدين أي بترجمة د. دروبي ومراجعة د. أبو بكر يوسف ونفذت هذه الترجمة أيضاً.‏

    ولم يجد الدكتور سامي الدروبي صعوبة في الترجمة لدرجة أنّه منذ أن بدأ الترجمة كان أحياناً يقرأ النص الفرنسي ويترجمه شفوياً ويملي على زوجته الترجمة إلى العربية، هكذا على سبيل المثال ترجم رواية "المذلون والمهانون" وهكذا ترجم "الموسيقي الأعمى" وهو مريض في المشفى الجامعي بموسكو إذ مرض عندما كان عضواً في وفد أساتذة جامعة دمشق وكانت زوجته معه فترجم وإياها بالطريقة المذكورة في المشفى "الموسيقي الأعمى".‏

    ولا بأس من الإشارة إلى أن دوستيفسكي اضطر أن يلجأ إلى الطريقة ذاتها، فألف رواية "المقامر" عام 1866 خلال ستة وعشرين يوماً، إذ لم يكتبها بخط يده وإنّما أملاها على زوجته، لأنّه كان مضطراً لتسليمها لإحدى دور النشر في موعد معين، بموجب عقد كانت ظروفه المادية قد أجبرته على توقيعه.‏

    وأشاد كلّ النقّاد الذين اطلعوا على ترجمة الدكتور سامي الدروبي بجودتها، وعدّها بعضهم الترجمة الممتازة لأنّ المترجم ذو موهبة فريدة، ولأنه أعطى كل ما لديه من إمكانيات لعمله، فأثناء زيارته لروسيا زار البيت الذي كان يعيش فيه راسكولنيكوف بطل "الجريمة العقاب"، ورأى الجسر الذي كان يقف عليه بطل قصة "الليالي البيضاء"، اهتم الدكتور سامي الدروبي بأدب دوستيفسكي اهتماماً كبيراً لدرجة أن زوجته إحسان الدروبي كانت تعد أدب دوستيفسكي ضرتها.‏

    من بين الذين أشادوا بترجمة الدكتور سامي لأدب دوستيفسكي الأديب بدر الديب الذي كتب بجريدة الجمهورية بتاريخ 23/1/1968: "لاشك أنّ اختصاص الدكتور الدروبي بعلم النفس سهّل عليه فهمه العميق لدوستيفسكي ومعرفته بالنفس البشريّة".‏

    وكتب رجاء النقاش في مجلة "الدوحة": "إن الدكتور سامي الدروبي واحد من أعلام الفكر الذين آمنوا بدور الترجمة في بناء الحضارة الجديدة، وهو وحده مؤسسة كاملة من مؤسسات الترجمة في الوطن العربي".‏

    وكتب أحمد حمروش في مجلة "روز اليوسف": "ولسامي الدروبي فضل السبق في هذا المجال، فوضع أساساً صحيحاً لما تتطلبه الترجمة من جهد ومعاناة فقدم دوستيفسكي في أكمل صورة".‏

    وقال الدكتور طه حسين لأحد الصحفيين: "إنني أقرأ ترجمات الدكتور سامي الدروبي لأعمال الكاملة لدوستيفسكي، والذي يثير إعجابي أنّ هذا الإنسان مؤسسة بكاملها بل أحسن، وتابع قوله.. حين كنت مديراً عاماً للثقافة في الجامعة العربية، أنشأت لجنة من كبار الأدباء لكي ننقل آثار شكسبير إلى اللغة العربيّة... ولم نستطع حتى الآن، وقد مضى ثمانية عشر عاماً، على إتمام ترجمة شكسبير، وها نحن نرى شخصاً واحداً يقوم بهذا العمل الجبار، فيعطي القارئ العربي والمكتبة العربية أعمال دوستيفسكي كاملة بأسلوب آخذٍ ولغة جميلة متينة وبفهم عميق لروح المؤلف..."0‏

    وقال المستشرق الروسي كراسنوفسكي: "لو كان دوستيفسكي عربياً لما كتب أجمل من هذا" وأشاد بهذه الترجمة أدباء كثيرون آخرون مثل غالي شكري في مجلة "الوطن العربيّ" في 8 آذار 1979(13).‏

    ما إنّ أنهى الدكتور سامي الدروبي ترجمة مؤلفات دوستيفسكي الكاملة في ثمانية عشر مجلداً حتى أخذ المجلد الأول من مؤلفات تولستوي الكاملة والذي يتضمن ثلاثية تولستوي، وهي الرواية الأولى لتولستوي، وشرع الدكتور سامي الدروبي بترجمتها، فاحتجت زوجته حرصاً على صحته فأجابها "لا تتعبي نفسك سأظل أعمل وأعمل لأنني مؤمن أنّ الحياة بلا عطاء لا قيمة لها، والموت أشرف منها"0‏

    وكان سليم قبعين قد ترجم عام 1901 ثلاثية تولستوي المذكورة من اللغة الروسيّة مباشرة ولعله أول من ترجم لتولستوي إلا أنّها ترجمة حرة وجاءت تحت عنوان "تعاليم تولستوي" كما ترجم الدكتور سامي الدروبي رواية القوزاق" و"السعادة الزوجية" وترجم المجلد الأول والثاني من أكبر وأهم رواية لتولستوي وهي رواية "الحرب والسلام" إلا أنّ وفاته عام 1976 حالت دون إتمام ترجمة المؤلفات الكاملة لتولستوي التي ترجم الدكتور سامي الدروبي خمسة مجلدات منها بتكليف وزارة الثقافة والإرشاد القومي السورية وتابع هذا العمل الأستاذ صياح الجهيّم.‏

    هنا أود أن أشير إلى الملاحظات التالية:‏

    1ً- إنّ وزارة الثقافة في سورية لم تكلف الدكتور سامي الدروبي بترجمة مؤلفات تولستوي إلا بعد أن قام بترجمة مؤلفات دوستيفسكي بتكليف من وزارة الثقافة في مصر.‏

    2ً- حرص الدكتور سامي الدروبي على ترجمة مقدمة نقدية في مطلع كل مجلد وهوامش في نهاية المجلد، الأمر الذي سار عليه في ترجمة مؤلفات دوستيفسكي.‏

    3ً- قام بترجمة المؤلفات الإبداعية لتولستوي وأعفى القارئ العربي من نقل بقية مؤلفات تولستوي وهي رسائله ومقالاته ودراساته الاجتماعية والدينية ومسودات أعماله التي جمعت مع مؤلفاته الإبداعية في تسعين مجلداً، ولا أعتقد أنّ القارئ العربيّ مستعد لقراءة تسعين مجلداً لكاتبٍ واحدٍ، هذا إذا وجد من يقوم بترجمتها.‏

    4ً- اختص الدكتور سامي الدروبي بترجمة الرواية ولم يترجم الشعر، مع أنّه ترجم القصة القصيرة والمقال والبحث.‏

    5ً- إن معظم ترجمات الدكتور سامي الدروبي عن الأدب الروسيّ، ولهذا أسباب وجيهة، تأتي في مقدمتها أنّه أدب عظيم وإنساني ولم يكن في تلك الفترة واسع الانتشار، فلابدّ من إلقاء الضوء على بعض نماذجه.‏

    6ً- ترجم الدكتور سامي الدروبي الأدب الروسي في القرن التاسع عشر ولم يترجم الأدب الروسيّ في القرن العشرين، ويعود السبب إلى أنّ الأدب الروسيّ شهد عصره الذهبي في القرن التاسع عشر وشهد بعض التراجع في القرن العشرين. فبالإضافة إلى أدب دوستيفسكي وتولستوي فلقد ترجم الدكتور سامي الدروبي قصة "ابنة الضابط" لبوشكين (1799-1838) وقصة "بطل من زماننا" لميخائيل ليرمنتوف (1814-1841) و"مياه الربيع" لتورغينيف (1818-1883).‏

    7ً- ترجم الدكتور سامي الدروبي ثلاثية محمد ديب للكاتب الجزائري، وهي "الدار الكبيرة"، "الحريق"، "النول" عن اللغة الفرنسيّة كما ترجم عن اللغة الفرنسيّة كتاب فان تيغم بعنوان "الأدب المقارن" وهو من المراجع الأساسية في هذا العلم.‏

    وترجم رواية "جسر على نهر الدرينا" للروائي اليوغوسلافي ايفو اندريتش وهي الحائزة على جائزة نوبل للآداب وهي من روائع الأدب العالمي أيّ أن الدكتور سامي الدروبي كان يترجم أمهات الكتب، والأدب الرفيع الذي يحتاج إليه القارئ العربي والمكتبة العربية وتشكل ترجمته مدرسة قائمة بذاتها في الترجمة.‏

    ولقد عبّر الأستاذ جورج صدقني عن ترجمة الدكتور سامي الدروبي تعبيراً جميلاً: "إنّك، إذا ما قرأت ترجمات د. سامي الدروبي، تنسى نفسك، وتتوهم أنك تقرأ نصاً عربياً أصيلاً، لم ينقل عن لغة أخرى، بل كتب بالعربية منذ البداية: أسلوب مرهف، رشيق العبارة،... وبكلمة واحدة تشعر أنك أمام بيان عربي ساحر،..."0‏

    وأشاد بجودة ترجمته كلّ من نصر الدين البحرة، وسعيد حوارنية والدكتورة نجاح العطار وأنطون مقدسي، والعماد مصطفى طلاس ومعظم الأدباء والمفكرين العرب.‏

    وللدكتور سامي الدروبي آراء حول الترجمة، فلقد أجرى معه تلفزيون مصر مقابلة تحدّث فيها عن الشروط التي يجب أن تتوفر في المترجم، فقال: إن الترجمة العلمية سهلة، وكذلك ترجمة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس ويرى أنّ الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدى لترجمة الأعمال الأدبية ثلاثة:‏

    1ً- التمكن من اللغة الأجنبية.‏

    2ً- التمكن من اللغة العربية.‏

    3ً- التمكن من المادة التي هي موضوع الكتاب أو البحث.‏

    أما بالنسبة للأدب يجب توفر الذوق الأدبيّ، وهذه الموهبة يمكن أن تصقل ولكنها، إن لم تكن بذورها موجودة أصلاً فلن تنمو.‏

    ويرى الدكتور سامي الدروبي أنّ التمكن من اللغة العربية يعني ضرورة قراءة الجاحظ والمتنبي والمعري وعمالقة الأدب العربي.‏

    ولا يتم التمكن من اللغة الأجنبية إلا بقراءة أدباء تلك اللغة.‏

    كان الدكتور سامي الدروبي يحترم عمله، ويؤمن أننا نمر بعصر النهضة الثانية، فإذا شكل العصر العباسي عصر النهضة الأولى، إذ نشطت الترجمة من وإلى اللغة العربية آنذاك فإن القرن العشرين يشكل تتمة لتلك المرحلة.‏

    كانت حياة الدكتور الدروبي قصيرةً ولكنها غنيةٌ بالعطاءات وحياة الإنسان لا تقاس بعدد السنوات التي يعيشها وإنّما بالعطاءات التي يقدمها للآخرين.‏

    10-مقترحات:‏

    1ً- الترجمة عن اللغة التي كتب بها النص الأصلي والابتعاد قدر الإمكان عن الترجمة عن لغة ثانية، أو لغة وسيطة، وإذا كانت الترجمة عن لغة وسيطة ضرورية، في مرحلة من المراحل، فإننا نستطيع الإقلال منها في الوقت الحاضر. لوجود مختصين في الأدب الإسبانيّ والألماني والروسي، فمثل هذه الآداب يمكن في الوقت الحاضر أن تترجم مباشرةً دون الاستعانة بإحدى اللغتين الإنكليزية أو الفرنسية.‏

    2ً- التقيد بمبدأ التكافؤ الجمالي والدلالي، وبالتالي لا يحق للمترجم الزيادة أو الحذف بحجة أنّ الرقابة لا تسمح بنشر بعض الأمور، ويجب محاولة ترجمة الشعر، بحيث يحافظ على رونقه وجماله بلغته الأم وبحيث يكون النص المترجم لا يقل جمالاً وتأثيراً عن النص الأصلي.‏

    3ً- إخضاع كل نص مترج للتدقيق والمراجعة ويلجأ إلى هذه الطريقة كل من وزارة الثقافة واتحاد الكتاب.‏

    4ً- محاولة ترجمة الأدب العربيّ إلى اللغات الأجنبية والترويج له، على غرار ما كانت تفعل دار "التقدم" ودار "رادوغا" بموسكو، في عهد الاتحاد السوفييتي، إذ كانت تترجم نماذج من الأدب الروسي إلى اللغة العربية واللغات الآخرة مستعينةً بمترجمين عرب وغيرهم.‏

    5ً- إقامة ندوات ومؤتمرات للترجمة ونقدها ودعوة بعض العاملين في مجالها من الدول العربية والأجنبية بهدف تبادل الخبرات وتنشيط الترجمة من وإلى اللغة العربية.‏

    6ً- التنسيق بين الدول العربية لكي لا يقوم قطر عربي بترجمة كتاب، ويتضح بعد ذلك أن قطراً عربياً آخر قام أو يقوم بترجمة الكتاب ذاته، وكذلك يجب توزيع الكتاب نفسه على مكتبات الأقطار العربية للاستفادة القصوى منه.‏

    7ً- تخصيص جائزة عربية أو أكثر من جائزة وهذا يشجع المترجمين لأن للجائزة قيمة معنوية ومادية، ولقد كان الاتحاد السوفييتي سابقاً يقوم بهذه الطريقة لتشجيع المترجمين الأجانب على ترجمة الأدب الروسي إلى لغاتهم، كما لا بأس من تشجيع دور النشر الأجنبية على ترجمة الأدب العربي ونشره وتوزيعه.
    ومن اراد المراجع فسأّذكرها0
    وفي الختام تقبلوا اجمل تحياتي وازكاها

  • #2
    اخي فهد ...

    اشكرك على هذه المعلومات الجديده لدي ...

    فما كنت اعلم ان بعض الكتب الغير عربيه عندما ترجمت الى العربيه ضاع اصلها فأعيدت ترجمتها من اللغه العربيه الى اللغه الاصليه ..

    ولم اكن اعلم بأن هذا الاساس او هذا الرأي هو من الجاحظ :
    ( الذي كان يرى أنّ المترجم الجيد يجب أن يكون من مستوى فكري لا يقل عن مستوى المؤلف المترجم عنه وأنّ تكون معرفته بالموضوع جيدة، وإلا فقد تكون الترجمة غير دقيقة ).‏


    ولم اكن اعلم بأن الأديب و الدكتور طه حسين قد ترجم كتبا في يوم من الايام . وكذالك لم اكن اعلم بأحمد حسن الزيات انه دخل في هذا المجال .

    ولم اكن اسمع بالدكتور السوري سامي الروبي وانه قام بالترجمه في مجال الروايه فقط .


    فشكرا لهذه المعلومات التي تحوي العديد من الاسماء التي لم اتعمق بها وبعضها لم اسمع بها .... معلومات جدا مفيده ...
    فمهما قراء الانسان يضل لم يقراء ....

    تقبل ودي واحترامي وتقديري .
    أخوك :

    [تم تعديل الموضوع من قبل عبدالله الملحم بتاريخ 05-30-2001 الساعة 04:16 PM]

    تعليق


    • #3
      اشـــــــــــــكرك

      معلومات قيمة

      ودمت سالما

      تعليق


      • #4
        الشكر لكم اولا0
        والشكر لمن كتب ذلك الموضوع، فمااناالا ناقل قصدت تعميم الفائدة00لاأكثر

        تعليق


        • #5
          الأخ العزيز فهد

          يا اخي اجد نفسي في مقالاتك وكتاباتك اسبح في بحور الأدب للدرك .... لا شك بأنك تملك احساس ادبي رفيع .

          في تقديري لو قسمت هذه المشاركة على جزئين او ثلاثة اجزاء



          في الختام اكرر شكري وتقديري ةإعجابي الشديد بهذه الكتابات .

          تعليق

          يعمل...
          X