إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تشابه الأزمنة وتداخل الجوهر في رواية دروز بلغراد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تشابه الأزمنة وتداخل الجوهر في رواية دروز بلغراد

    تشابه الأزمنة وتداخل الجوهر في رواية دروز بلغراد

    أنت تكتب بيدك، كيف ستعيش أبديتك؟... خلاصة فيزيائية كيمائية تبعدكَ عن الإرادة المذهبية التي تفصل الأديان عن بعضها، وتفصل الأزمنة التاريخية لتعيد تشكيلها وفق محاور سياسية تتلاعب بها أبعاد ايديولوجية، وانعكاسات تاريخية، لتتكون أزمات نفسية يمر بها رجال الدين، فهل هو تقدير الله للكائنات بما هو مكتوب في اللوح المحفوظ يجعل العبد يستسلم ليرفض الإيمان بالقدرية ويتساءل،"أين العدل؟.كيف يصنع الرب بي هذا؟.وهيلانه؟..والصغيرة كم كبرت.."
    رواية ربيع جابر المعنونة "دروز بلغراد" والتي نال عنها مؤخرا جائزة البوكر في نسختها العربية تعيد بعث الحياة بين السطور في مفارقات ذات دلالات فكرية سياسية ودينية، "وأما السفينة فقد صارت في وسط البحر مُعذبة بين الأمواج". ربما أحسّ أنه بين جيش من الأرواح الشريرة وسط ظلام. إنّه التيه الزمني "لعله الليل في الخارج" فالمكان هو القبو وهو يشبه عذاب تحت الأرض توظيف المقدمة في بلوغ المأساة فمتى تكون القيامة؟..
    مزجٌ تاريخي ديني مذهبي في قالب روائي، وكأننا أمام شيفرة أدبية تلعب على توظيف الخيال ليتماشى مع الواقع عبر الأزمنة..هل نصارع الأقدار؟، أم أننا نلملم أفعالنا لتقيدنا في سلاسل حديدية صلبة؟. إنها عدوى تنتقل من بلد إلى بلد تحت مسميات ثورية تنشط كالوباء. نزوح من دمشق إلى بيروت، والمدن اللبنانية مرة أخرى."الناجون بجلودهم نزحوا إلى بيروت"..أخبرته عن نساء دمشقيات اللهجة رأتهن يتدافعن على قفة الخبز أمام الجامع العمري"..خيال في رموز سياسية عميقة تنعكس على الواقع في امتلاء روحي يجمعنا مع صلاة الأم، فهل حقا نحتاج لصلاة الأم تيريزا"في دعائها" يا رب حين يذلني أحد...دعني أجد من أمدحه".
    تفاعل نفسي زمني فيزيائي في مدة زمنية ذات تاثير سيكولوجي تكويني في ماضي يسكن الحاضر ويعشش في المستقبل، لنحيا الأحداث في أبعاد ثلاثية ذات كينونة واحدة ونتنفس في شهقة وجودية تعيدنا إلى عالم صغير.
    يقول بروك"نريد بالأدب أفكار الأذكياء ومشاعرهم مكتوبة بأسلوب يلذ القارىء" ذكاء لغوي في لَكْنة لفظية قديمة أتقن إخراجها بهدوء وصلابة حائط الدك..جل..قفة الخبز..دغشة المساء.الزندان..القرم..الخ..مما يبعث الأستمتاع ويفتح أبواب الفن الروائي المركب حين يتحول بائع البيض إلى سجين والسجين إلى حر في لعبة قدرية أخرى.
    وماذا يفعل شيخ وهو وحده إلا مناجاة الله؟.."أردت أن أرى ماذا يفعل شيخ في مكانك وهو وحده"..ربما هي إشارة لرجال الدين تأخذهم أمور الدَنيا عن روحانية الحياة، والقبول بالسعي خلف جرات الذهب والتي ستؤول بالنهاية لأسماعيل باشا."هذه العثمليات لا تكفي لدفع التعويض عن نصف أولادك"...إنّه الصراع على البقاء رغم قيود القدر العجيبة التي يستسلم لها البعض، ويتمرد عليها البعض الآخر، في جغرافية أمكنة تعاني الصراع بين النفس والطبيعة والقوى الحاكمة، والحب والعاطفة الأبوية المتدفقة، فكيف يتقبل كلمة أنتقِ وهو صاحب مقام بين أهله؟.."انتقِ واحداً من أولادك الخمسة وخذه معك من الزندان"...لكن هل يعترف الباشا لشيخ يراه للوهلة الأولى عن تفاصيل حياته؟.
    وهل يمكن لمن يمتلك سلطة الأمر أن يضعف لهذه الدرجة؟. أم أنها أشارة لرئيس ما في زمن مختلف؟. معرفة علمية عملية فنية في عناصر مشتركة ينطبق عليها خصائص حسية جعلت من الأخوة الخمسة رمزاً كأصابع اليد مثلاً أو عناصر الطاقة الحياتية الأثير والهواء والنار والماء والتراب...وهو هنا يتجاوز المعقول في اللامعقول ليضع حنا معهم...فهل من شتيمة نردها همساً ونحن نتلكأ في خروج نتوقف عنده حين نرى بقعة دم أسود لنستدير ونقرر الهرب قبل أن تقع الإرادة السنية التي تحدد مصير شعب؟..أو طائفة؟..في عالم يطمح للتغير.
    وهل يتنبأ ربيع جابر لعالم يسير نحو التخلف السياسي؟..أم أنه يفتح العالم الكبير ويلغي الحدود؟، ليتوقف بنا عند هيلانه كلما وصلت الأحداث عند الذروة. هيلانه التي لم تشعر بجلبة العائدين من الصلاة في الجامع وبقيت هاجعة رغم ثرثرة النساء المسنات أمام الكنيسة في تعايش ديني لنستريح في بيتها من متعة التشويق والشغف بالمتابعة ورائحة ماء الزهر تفوح، وتقلية السبانخ لندخل فجأة مع المحابيس في محاكاة لا تخلو من قدرة فكرية في حركة روائية محببة مع أحداث حادة.. أسنان تكسرت وكتف انخلع هل سيرمونه في البحر؟..لنعود إلى أحضان هيلانه مجددا...ً أنظمة حياتية تحاكي الإنسان في اجتماعيات تربينا عليها، لم ينساها جابر رغم تعدد الأحداث في رؤية تخطّت حقوق الإنسان العادي وحتى الأسير في قوميات طاغية من خلال تفاعلات سردية تزيد من نقمة المشاعر على جبروت الأحداث الواقعية في زمن تاريخي حاضر يتقمص سجناء انغمسوا في مشاهد نراها يومياً، وعبر انتفاضة الولد كي لا يحيا حياة ابيه في موروث رفضه ابن الوقاد يعقوب بينما لم يرفضه ابن زعيم سياسي ابداً..
    تفاصيل لم نشعر معها بالملل او بالضجر بل جعلتني اتسابق مع حنا لأنتقل عبر الزمن في براعة فكرية حسية تحليلية لأستبق الأحداث وأتنبأ بماذا سيحدث لحنا.
    أحداث ميلودرامية في حبكة قوية يقول الروائي هنري جيمس" ما يهم الروائي الحديث هو جوهر الإنسان حتى يحطم حدود الزمان والمكان ويخرج بروايته إلى المجال العالمي الإنساني" تسلسل منطقي ملون في خلفية طبيعية تشبه الإنسان في احتكاك مذهل ينعكس على الصراع النفسي في بؤرة بصرية تضيق وتتسع، وكأننا في لقطة مشهدية واحدة مع حنا، لنراهم فجأة في البساتين مع وكيل نازلي اليهودي لنتعلم بعض من مناسك الدروز لنقف مع هيلانه بين الحيطان المظلمة ونمشي مع الأب بطرس وهيلانة في شرود"ترحيل الدروز أمس أخذوهم من هنا".حدود جغرافية روائية فتحت العالم في كينونة وجود واحدة في حروب مختلفة لكنها واحدة "وفي جوف الصندوق الرؤوس المقطوعة والمحنطة لأعدائه" دفنوه في يوم كئيب ماطر وطمروا خزنة الرؤوس معه كما طمرت الحروب الجثث الجماعية في خندق سياسي واحد لنتساءل مرة اخرى أين حقوق الأنسان ليصرخ" أنا مسيحي من بيروت، لست من بلاد الصرب" ليعودوا الى القبو المنحوس وتتسلسل الأحداث ليستوقفنا مصطفى مراد مع بناته في وقفة لا مبرر لها فنياً .
    أخرجوهم لتصليح طرق أفسدتها السيول"كانت بهجتهم لا تصدق".بلغوا هضبة وأطلوا على البساتين."دبروا لهم قبوا واحداً واجمعوهم فيه". لننتقل في مشهد سينمائي إلى البرج ونحلم بالخروج من الهرسك ونحيا الفرح حين أعطوهم ثيابا وزنانير وأحذية.."أطلقوهم وضموهم إلى فرقة الهندسة في الجيش العثماني كي يخدموا" ومع ذلك خافوا من المدى الفسيح ونقاء الهواء لترتفع أصوات الجبل عاليا ويموت واحداً.. لنعيش معهم في ثكنات صوفيا قبل أن نأكل كعك الفصح، فما الذي يريد قوله ربيع جابر في فلسفة تاريخية التمييز بين الخير والشر؟. أن نتصالح مع لغته الروائية في ايديولوجيات دينية غامضة في خطاب مذهبي؟..أم ماذا يحدث في السجون؟..أم أننا ضحية الأغلال التي تكبلنا في منطق عجيب؟..فهل ولدنا في سجن الحياة اللامحدود ننتظر الخلاص؟..أم اننا وقعنا في التيه اربعين سنة؟.."لا تهتم، تمر بسرعة أنا هنا منذ أربعين سنة " مهارة في توليف المشاهد وإغلاقها في جمل قصيرة"سوف يسبقهم إلى البيت" "أخفتها الأشجار"..وتوهج النهاية في الحج لمسيحي يسمع سورة البقرة ويجلس بين الحجيج ليسمع قصة الفداء ويشرب من ماء زمزم لينتهي المشهد بصورة شيخ ممسك بعصاه" يسجد تحت قناطر الجامع شعر أنه المسلم الفقير سليمان" مونولوج ساخر لقصة الكبش السماوي التي تجمع الأديان في روايتها..فلماذا نختلف ونتفرق؟.
    عنونة تاريخية ذات مدلول شعبي خاضع للمفهوم الزمني والشكل الروائي المرتبط بحنا يتحكم بالصورة في زمن العولمة وذكرني برواية" السائرون نياماً" فالحكاية هي تمرد على الزمن في شهقة النهاية.
    إلا أن حكاية حنا يعقوب ليست مجرد حكاية تاريخية تتشابك مع أحداث العصر الحالي، إنما هي تطرح مواضيع اجتماعية وسياسية وفكرية في رؤية كونية وفلسفة عالمية نادرة في مفارقة الواقع عبر التاريخ في رواية زمنية متنوعة في فصولهاالعجيبة بمهارة راو متمرس متخف يمتلك براعة الوجود، لا يخاف الهواء الأصفر ولا الحرب ولا الحدود في ايقاع ميلودرامي جذب القارىء بمختلف تنوعه من قارىء عاطفي الى قارىء عقلاني حتى القارىء المتمكن وهو يخوض احداث وصلت للذروة حين عاد للسجن لأنه سرق بيضة لنمسك بالعصا اخيراً ونقول" كفاكم جلوساً على هذا الجبل" كفاكم جلوساً على الكراسي قوموا وامتلكوا شهقة تعيدكم إلى الحياة.
    بقلم ضحى عبدالرؤوف المل( وردة الضحى)
    dohamol@hotmail.com
يعمل...
X