إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الابل ذاكره الصخراء الجزء الثاني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الابل ذاكره الصخراء الجزء الثاني

    المــرأة والحَسَــن :

    ونقل الدميري حكاية عن الإمام ابن الجوزي التي أوردها عن الأذكياء فقال : رُويَّ أنّ الحسن بن هانئ الشعير بابي نواس قال استقبلتني امرأة في هودج على بعير ولم تكن تعرفني فأسفرت عن وجهها فإذا هو في غاية الحُسن والجَمال فقالت : ما أسمُك ؟ فقلت : وجهك ، فقالت : الحَسَن !

    البكر الفتـى من الإبـل :

    كذلك عرّج الدميري في كتابه ليحدثنا عن أنواع وتسميات الإبل التي عرفها العرب فقال : البِكر : الفتى من الإبل ، والأنثى بكرة والجمع بكار مثل فرخ وفراخ وقد يجمع في القلّة على أبكُر قال أبو عبيدة : البِكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس ، والبركة بمنزلة الفتاة ، والقلوص بمنزلة الجارية ، والبعير بمنزلة الإنسان ، والجمل بمنزلة الرجل ، والناقة بمنزلة المرأة . روي مسلم عن أبي رافع أنّ النبي r استلف من رجل بِكراً فلما جاءت ابل الصدقة أمرني أن أقضي الرجل بِكراً فقلت لم أجد في الإبل إلاّ جَمَلاً خياراً رُباعياً فقال r : أعطِه فإن خياركم أحسنكم قضاءً " . وري العرباض بن سارية رشي الله عنه قال بعتُ من رسول الله r بِكراً فجئتُ أتقاضاهُ فقلتُ : يا رسول الله أقضني ثمن بكري قال : نعم ثم قضاني فأحسن قضائي ثم جاءه أعرابيّ فقال : يا رسول الله أقضني بكرى فقضاهُ بعيراً مسناً فقال : يا رسول الله هذا أفضل من بِكري فقال r : هو لك إن خيّرَ القوم خيرهم قضاء " . وعن ابن عبّاس رشي الله عنهما قال : حجّ رسول الله r فلما أتى وادي عسفان قال : يا أبّا بكرٍ أيّ وادٍ هذا قال وادي عسفان قال رسول الله r : " لقد مرّ بهذا الوادي نوح وهود وإبراهيم على بكرات لهم حُمر خطمهم الليف وأزرهم العباء وأرديتهم النِمار يحجون البيت العتيق " .

    الأعــرابي والنـاقـة :

    ومن الحكايات الأخرى لكمال الدين الدميري مارواه عن أبي هريرة رضي الله عنه بأن أعرابياً أهدى لرسول الله r ناقة فعّـوضه منها سـت بكرات فتسخطها فبلغ ذلك النبي r فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " أنّ فلاناً أهدى إلىَّ ناقة فعوّضته منها ست بكرات فظل ساخطاً لقد هممتُ أن لا أقبل هدية إلاّ من قرشيّ أو أنصاريّ أو ثقفيّ أو دوسيّ " . وفي حديث علي رضي الله عنه صدقني سن بكره وهو مثل تضربه العرب للصادق في خبره ويقوله الإنسان على نفسه وإن كان ضاراً لهُ . وأصلُه أنّ رجُلاً ساوم رجلاً في بكر يشتريه فسأل صاحبه عن سنِه فأخبره بالحق فقال المشتري صدقني سن بكره. وعن مولى لعثمان قال بينما أنا مع عثمان بن عفان رضي الله عنه في يوم صائف إذ رأى رجُلاً يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحرَّ فقال ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح فدنا الرجل فقال : انظر فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه فأخرج رأسه من الباب فآذاهُ نفخ السموم فأعاد رأسه حتى إذا حاذاهُ قال : ما أخرجك في هذه الساعة قال : بكرتن من ابل الصدقة تخلفا وقد مضى بإبل الصدقة فأردتُ أن ألحقهما بالحِمَى خشية أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان : هلُّم إلى الماء والظل فقال : عُد إلى ظِلِكَ فقال : عندنا مِن يكفيك فقال : عُد إلى ظِلِكَ ثم مضى فقال عثمان : مَن أحبَّ أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا ( يقصد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) .

    الجَمَـل والبكــر :

    خصص صاحب حياة الحيوان الكبرى للجَمَل نصيباً وافراً من الحديث عنه بقوله : الجَمَل الذَكَر من الإبل قال الفرّاء هو زوج الناقة ، وقال ابن مسعود لما سُئِل عن الجَمَل كأنه استجهل مَن سألهُ عمّا يعرفه الناس جميعاً. وجمعُ الجَمَل جِمال وأجمال وجمائل وجمالات قال الله تعالى : " كـأنه جَمالات صُفر " . قال أكثر المفسرين هي جمعُ جِمال على تصحيح البناء كرجال ورجالات. وقال ابن عباس : الجِمالات قطع النحاس العِظام وإنما يُسمى البعير جَمَلاً إذا أربـع .

    وختم الدميري حديثه عن البكر بالحديث : جاءت هوازن على بكرة أبيها ، وقالوا جاءوا على بكرة أبيهم يصفونهم بالقلّة أي جاءوا بحيث تحملهم بكرة أبيهم قلتُ وأصله : أنّ قوماً قتلوا وحملوا على بكرة أبيهم فقيل فيهم ذلك فصار مثلاً لقوم جاءوا مجتمعين . وقال أبو عبيدة معناهُ ، جاءوا بعضهم في اثر بعض كدوران البَكرة على نسق واحد وقال قوم أراد بالبكرة الطريقة أراد أنهم جاءوا على طريقة أبيهم أي يقتفون أثره وقيل هو ذمٌّ ووصفٌ بالقلّة والذلة أي يكفيهم للركوب بكرة واحدة ، وحكمه وخواصه وتعبيره كالإبل .

    وقرأ بن عبّاس ومجاهد الجمل بضم الجيم وتشديد الميم ( الجُمّل ) وفسر بحبل السفينة الغليظ وسم الخياط هو بخش الإبرة أي ثقبها وقد ألغّز فيها الشاعر فقـال :

    سَعَتْ ذات سم في قميصي فغادرت

    به أثراً والله يشفي من السُّمِ

    كسَت قيصرا ثوب الجُمّال وتُبعـاً

    وكِسرى وعادت وهي عـارية الجسـمِ

    مـن الكُنـــى :

    وذكر الدميري عدداً من كُنى الجَمَل في صفحات كتابه حياة الحيوان الكبرى فكُنية الجَمَل أبو أيوب وأبو صفوان وفي حديث أو زرع زوجي لحم جَمَل غث على رأس جبل وعر ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ النبيّ r أهدى عام الحديبية في هداياه جَمَلاً كان لأبي جهل بن هِشام في أنفه بُـرّة (حبة قمح ) من فضة يغيظ بذلك المشركين . وعن العرباض بن سارية قال : " وعظنا رسول الله r موعظة ذرقت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله هذه موعظة مُودَّع فما تعهد إلينا فقال r : قد تركتم على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالِك ومَن يَعِش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بما عرفتم مِن سُنتي وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعدي عُضُّوا عليها بالنواخذ وإيّاكم ومُحدثات الأمور فإنّ كلّ مُحدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة وعليكم بالطاعة وإن كان عبداً حبشيّاً فإنما المؤمنُ كالجَمَلِ الأنف حيثما قُيَّدَ انقـاد والأنف الجَمَل المخزوم الأنف الذي لا يمتنع على قائدِه " ، وقيل الأنف الذلول. وعن أبي هريرة أنّه r قال : " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجَمَل وليضع يديه ثم ركبتيه " . وعن جابر بن عبيد الله رضي الله عنه أنّه كان مع النبيّ r على جَمَل فأعيا فنخسه النبيّ r ودعا له وقال : أركب فركب ، فكان أمام القوم قال فقال لي النبيّ r كيف ترى بعيرك فقلت قد أصابته بركتك قال أفتبيعنيه فاستحييت ولم يكن لي ناضح غيره فقلت نعم فما زال r يريدني ويقول والله يغفر لك حتى بعته بأوقية من ذهب على أنّ لي ركوبه حتى أبلغ المدينة فلما بلغتها قال r لبلال أعطه الثمن وزده ثم ردّ r عليّ الجَمَل .

    في ذات الرقـاع :

    وقال جابر رضيّ الله عنه : خرجنا من النبيّ r في غزوة ذات الرقاع حتى إذا كُنّـا بحرة وأقم إذ أقبل جَمَل يرقل حتى دنا من النبي r فجعل يرغو على هامته فقال رسول الله r : "إنّ هذا الجَمَل يستعديني على صاحبه يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين حتى إذا أعجزه وأعجفه وكبُر سِنّهُ أراد نحره اذهب يا جابر إلى صاحبه فائتِ به "،قلتُ : ما أعرفه فقال: إنّه سيدلك عليه قال فخرج الجَمَل بين يديّ مُعنقاً حتى وقف بي في مجلس بني خطمة فقلت : أين ربّ هذا الجَمَل ، فقالوا : هذا لفلان بن فلان. فجئته فقلت له : أجب رسول الله r ، فخرج معي حتى جاء رسول الله r فقال r : إنّ جَمَلك يزعم أنك حرثت عليه زماناً حتى إذا أعجزته وأعجفته وكِبُرَ سِنه أردت أن تنحره ، فقال : والذي بعثك بالحقَّ إن ذلك لكذلك فقال r : ما هكذا جزاء المملوك الصالح ثم قال r : تبيعه ، قال : نعم . فابتاعه منه ثم أرسله r في الشجر حتى نصب سنامه فكان إذا اعتلّ على بعض المهاجرين والأنصار من نواضحهم شيء أعطاه إيّاه فمكث كذلك زماناً .

    جَمَـل الأعـرابي فـي البصـرة :

    ومن حكايات الجَمَل الأخرى في حياة الحيوان الكبرى ، ما حكاه القشيري في رسالته عن محمد بن سعيد البصري أنّه قال : بينما أنا أمشي في بعض طرق البصرة إذ رأيت أعرابياً يسوق جَمَلاً ثم التفت فإذا الجَمَل قد وقع ميتاً ووقع الرجل القتب فمشيت قليلاً ثم ألتفتُ فإذا الأعرابي يقول يا مُسبب كلّ سبب يا مؤمل كل طلب رُدّ عليّ ما ذهب يحمل الرحل والقتب فقام الجَمَل وعليه الرحل والقتب .

    الخلفـة مـن النُـوق :

    وتحدث الدميري عن الخلفة من النوق ، بأنّها : الناقة الحامل وجمعها خلفات. فعن أبي هريرة رضيّ الله تعالى عنه أنّ النبيّ r قال : " أيحب أحدكم إذا رَجعَ إلى أهلهِ أن يجد فيه ثلاثُ خلفات عظام سِمَانٍ " قلنا : نعم . قال : "فثلاث آيات يقرؤهنّ أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات عِظام سِمَانٍ ". وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ r قال : " غزا نبي من الأنبياء ، فقال لقومه لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني ولم يبنِ ولا أحد قد بنى بُنياناً ولم يرفع سقفها ولا أحد أشترى غنماً أو خلفاتٍ وهو ينتظر أولادها ، قال : فغزا فدنا من القرية حين صلاة العصر أو قريباً من ذلك فقال للشمس : أنتِ مأمورة وأنا مأمور اللّهم احبسها عليّ فحبست عليه حتى فتح الله عليه الحديث وهذا النبيّ هو يوشع بن نون عليه السلام ".

    كذلك حُبست الشمسُ مرتين لنبينا r إحداهما يوم الخندق حين شُغلوا عن صلاة العصر حتى غَرُبت الشمس فردّها الله تعالى عليه . والثانية صبيحة الإسراء حين انتظر العِير التي أُخبرَ بوصولها مع شروق الشمس . ومن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ r قال : " لو أخذ سبع خلفاتٍ بشحومِهِنَّ فأُلقيِن في شفير جهنم ما أنتهينَ إلى قعرها سبعين عاماً " . وقال شيخ الإسلام الإمام الذهبي : والحكمة في التمثيل بالسبع أنّ ذلك عدد أبواب جهنم . ومن حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّ النبيّ rقال : " ألا أنّ في قتيل الخطأ وقتيل السوط والعصا مائه من الإبل مُغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها " . وقال شيخ الإسلام النووي في تهذيبه وهذا مما يستشكل لأنّ الخلفة هي التي في بطنها ولد فإن قيل فما الحكمة من قوله r في بطونها أولادها ؟ فجوابه من أربعة أوجه : أحدها أنّه توكيد وإيضاح ، والثاني أنّه تفسير لها لا قيد ، والثالث أنّه نفي لوهم أنّه يتوهم أنه يكفي في الخلفة أن تكون حملت في وقت ما ولا يُشترط حملها حالة دفعها الدَّيّـة ، والرابع أنه إيضاح لحِكمها وأنه يشترط في نفس الأمر أن تكون حاملاً ولا يكفي قول أهل الخبرة أنّها خلفة إذا تبين أنّه لم يكن في بطنها ولد. وذكر الرافعي أنّه قيل أنّ الخلفة تُطلقُ أيضاً على التي ولدت وولدها يتبعهـا .

    العـود من الإبـل :

    ثم تحدث الدميري في الجزء الثاني من حياة الحيوان الكبرى عن العود وهي المُسن من الإبل فقال عنها : وهو الذي قد جاوز في السنَّ البازل والخلف وجمعُهُ عودة والناقة عودة . ويقال في المثل : " زاحم بعود أودع أي استعن على أمرك بأهل السن وأهل المعرفة فإنّ رأيّ الشيخ المُسن خيرٌ من رأي الغلام ومعرفته . والعود المطافيل ، يقال لها ذلك إذا ولدت لعشرة أيام أو خمسة عشر يوماً ثم هي مِطفِل بعد والجمعُ مَطَافيل ومَطَافِل .

    تابع الجزء الثالث

  • #2
    الجزء الثالث

    ومسك ختام الدميري في حديثه المُسهب عن الإبل في كتابه الموسوعي هو عن العير، والذي قال عنها بأنّها : هي الإبل التي تحمل المِيرَة ( التموين ) ، ويجوز أن تُجمع على عِيرات . وفي الحديث أنّهم كانوا يترصدون عِيرات قريش . قال تعالى : { وأسأل القرية التي كُنا فيها والعِير التي أقبلنا فيها } . قال ابن عطية القرية مصر . ثم عرض المؤلف لفائدة عن العير بقوله : " أوّل مِن قال لا في العير ولا في النفير أبو سفيان بن حرب وذلك لمّا أقبل بعير قريش وكان النبيّ r تحيَّن انصرافها من الشام فندب المسلمين للخروج معه وأقبل أبو سفيان حتى دَنَا من المدينة وقد خاف خوفاً شديداً فقال للمجد بن عمرو : هل أحسست بأحدٍ من أصحاب محمّد فقال ما رأيت أحداً أذكره إلاَّ راكبين أتيا إلى هذا المكان وأشار إلى مكان عدي وبسيس عينيّ رسول الله r فأخذ أبو سفيان أبعاراً من أبعار بعيريهما وفركها فإذا فيها نوىً فقال علائِف يثرب هذه عيون محمّد فضرب وجوه عِيرِه عن يسار بدر وقد كان بعث إلى قريش يخبرهم بما يخافه من النبيّ r فأقبلت قريش من مكة فأرسل إليهم أبو سفيان يخبرهم بأنّه قد أحرز العِيرَ ويأمرهم بالرجوع فأبت قريش أن ترجعَ ومضت إلى بدر ورجع بنو زهرة منصرفينَ إلى مكة فصادفهم أبو سفيان فقال يا بني زهرة لا في العِير ولا في النفير قالوا أنتَ أرسلت إلى قريش أن ترجع ومضت قريش إلى بدر فأظهر الله نبيّه r عليهم ولم يشهد بدراً من بني زهرة أحـد . قال الأصمعي يضرب هذا المثل للرجل يحطُ أمـره ويصغَّر قـدره .

    فـي الشـعر والأدب

    كانت الإبل وما زالت ذات أثر كبير في الأدب العربي ، فقد تناول الرواة أخبارها في أشعارهم وأقوالهم وأمثالهم . فإذا كان الشعر العربي هو ديوان العرب ، فإن الإبل عمود مهم من أعمدة هذا الديوان منذ عصر الجاهلية حتى الإسلام ، وما بعده ، ولعلنا عندما ننتقي من اهتمامات فحول شعراء العربية ما تعلق بالإبل فإننا بذلك نكون قد أرجعنا السيف إلى غمـده ، والفرع إلى أصـله ، لاسيما وأن الإبل كانت محط عناية الطبقة الأولى من الشعراء العـرب .

    فـي الوصـف :

    لعل أجود ما قيل في وصف الإبل ، قول الشاعر العربي طرفه بن العبد في معلقتـه المشـهورة :

    وإني لأمضي الهــم عند احتضاره

    بعوجاء مرقال تروح وتغتـدي

    أمـون كألـواح الآران نصاتهـا

    على لاحـب ظهر كـأنه برجـد

    وثمة أبيات شهيرة لواحد من أوسع وأشهر شعراء العصر الجاهلي وهو امرؤ القيس ، يتغنى فيها بحركة الإبل ، ويدقق في وصف الهوادج بألوانها الزاهية وحركتها في منتصف النهار ، كما يبرز ولعـه الشديد بهذا الظعن الذي ينقل محبوبته إذ يقـول :

    فـدع ذا وسل الهـم عنك بحسرة

    ذمـول إذا صـام النهار وهجـرا

    تقطـع غيظـاناً كـأن متــونه

    إذا أظهـرت تكسى مـلاء منشـرا

    بعيـدة بين المنكبيـن كأنهــا

    تـرى عند مجرى الضفر هـرا مشجـرا

    أما الشاعر زهير بن أبي سلمى الملقب بشاعر الحكمة وسفير القول ، والمعروف بأنه من دعاة التصالح بين القبائل العربية ، فقد كانت له جملة من المواقف مع الإبل ، ونتذكر من معلقته الشهيرة مطلعهـا الذي يقول فيـه :

    أمـن أم أوفـى دمنـة لم تتكلـم

    بحـومــانة الـدّراج فالمتلثـــم

    ونعرف بأنّ أكثر ما وصلنا من أدب العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام ، والعصر الأموي ، كان من الشعر ، وقد احتل شعر الناقة مساحة طيبة من الشعر الجاهلي ، نظراً للمكانة الرفيعة التي كانت تتمتع بها في نفس العربي آنذاك ويذكر بأن الأبيات التي قيلت تغزلاً في المرأة ، فمعلقة النابغة الذبياني ستون بيتاً ، يتغزل منها في ثلاثة وعشرين ويصف الناقة في ثلاثة وعشرين . ومعلقة لبيد بن ربيعه تسعة وثمانون بيتاً ، يتغزل منها في واحد وعشرين بيتاً ، ويصف الناقة في ثلاثة وثلاثين بيتاً . وظلت الناقة رفيقة الشعراء في صدر الإسلام والعصر الأموي ، وقد امتطاها كعب بن زهير إلى النبي r لينشده قصيدة " بانت سعاد " ، وقطع بها الفرزدق الفلوات بين بادية البصرة ورصافة هشام بن عبدالملك ، وبلغ من كثرة ما قال بعضهم من شعر فيها أن نسب إليها ، فالشاعر الأموي الملقب بـ0براعي الإبل ) نكاد لا نذكر اسمه الصحيح ( عبيد بن حصين ) ، وقد لقب بذلك لكثرة ما قال في وصف الناقة وتصويرها . ويقول الشاعر الأعشى في معلقته ، وهو من أجمل شعره في الناقة :

    ذاك شـبهت ناقتـي عن يميـن الـ

    رعـن بعـد الكـلال والإعمــال

    وتـراهــا تشـكو إلى وقــدا

    لـت طليحـاً تحذى صـدور النعـال

    ويشد الشاعر الأعشى رحاله مرة أخرى إلى الملوك ومنهم هوذة بن علي الحنفي ، فيمدحه ، ويصف الناقة ، ويمزج وصفه بمديحـه فيقــول :

    إلى هـوذة الوهـاب أهديت مدحتـي

    أرجى نوالا فاضلاً من عطائكـا

    تجــانف عن جـل اليمـامة ناقتـي

    ومن قصـدت من أهلهـا لسوائكا

    وقد تكرر في الشعر الجاهلي تشبيه السحب بجماعات النوق ، وأصواتها بالرعد المزمجر ، وكثيراً ما أبـرز الشعراء في أكوام الغيم المتلبد ، أصوات النوق العشار الحوامل وهي تحن إلى أولادها ، وفي ذلك قال الشاعر عبيد بن الأبرص :

    كأن فيـه عشـاراً جـلة شـرفـا

    شـعثا لهـا ميم قـد هـمت بأرشـاح

    بحـا حناجرها هـدلا مشـافرهـا

    تسـيم أولادها فـي قـرقـر ضـاحي

    وقـال الشـاعر الأبرص أيضـاً :

    تخـترق البيـد والفيــافي إذ

    لاح ســهيل كـأنـه قبــل

    ويـل أمهـا صـاحبا يصـاحبهـا

    معتسـف الأرض مقفـر جهـل

    وقـال شـاعر الرسول الكريم حسـان بن ثابت رضي الله عنـه :

    طـوق ابرق العـزاف يرعـد متنـه

    حنيـن المثـالي نحـو صـوت المشايع

    ويمضي الشاعر المرقش الأكبر بناقتـه تاركـاً خلفه الليل الطويل وموقـد النار ، وينتهـي به إلى وصف المكـان في هـدأة الليـل :

    تركـت بهـا ليلاً طـويلاً ومنـزلاً

    وموقـد نار لم تـرمـه القـوا بـس

    وتسـمع تزقـاء من البُـوم حولنـا

    كمـا ضُرِبَـت بعد الهـدوء النواقيـس

    ومن جميـل قول الشـعراء في وصف الناقـة ما نظمـه الشاعر بشـامة بن العذيـر بقولـه :

    كـأن يـديهـا إذا أرقـلت

    وقـد حـرن ثم اهتـدين السـبيلا

    يـدا سـابح خـرَّ في غمـرة

    وقـد شـارف الموت إلاّ قليــلا

    إذا أقبـلت قلتُ مشـحونـة

    أطاعت لهـا الريـح قلعـا جفـولا

    وإذا أدبـرت قلتُ مـذعـورة

    مـن الربـد تتبــع هيقاً ذَمـولا

    وقـول الشـاعر العبـاسي أبي تمـام الطـائي :

    وبـدلها السـرى بالجهـل حلمـا

    وقـد أديمهـا قـد الأديــم

    بـدت كالبـدر فـي ليـلٍ بهيـم

    وآبـت مثـل عرجون قديـم

    نـاقـة ابن العبـــد :

    ويذكر بأنّ الشاعر طرفة بن العبد هو من أكثر الشعراء صحبـة للنـاقـة حتى أنّ مشكلته مع أهله صغيراً ، وإسـرافه في اللهـو شاباً ، دفعـه إلى التغـرب في البلدان هائمـاً على وجهـه ، متنقلاً بين أحيـاء العرب ، أو قاصداً الملوك ، ولا أنيس له إلاّ ناقتـه ، فطال نظـره إليها ، ومراقبته لها وتعاطفه معها فوصفها وصفاً تفصيلياً ، وهو القائـل :

    كـأن حـد وج المالكيــة غــدوة

    خـلايا سفـين بالنواصف مـن دد

    عدوليـة أو مـن سفـين ابن يامـن

    يجـورُ بهـا المـلاح طورا ويهتـدي

    يـشق حبـاب المـاء حيـزومها بهـا

    كما قسـم الُّـرب المفايـل باليـد

    أمـا الشاعرة الخنسـاء ، فإنهـا اتخـذت مـن الناقـة مثالاً لهـا للتعبير عن حزنها على فقـدها لشقيقها صـخر فرثتـه بقولهـا :

    يـا صـخر ورّاد مـاء قـد تنـاذره

    أهـل الموارد مــا في ورده عـار

    فمـا عجـول على بـوًّتطيـف بـه

    لهـا حنينـان : أصـغار واكبــار

    أمـا شـاعر المعلقات عنترة بن شداد العبسي ، فكثيرا ما كـان يوقف ناقتـه في دار عبلـة ، ويشبهها بالبنـاء المتماسك المحكم في قـوته وعنفوانه :

    فـوقفـت فيهـا ناقتـي وكـأنهـا

    فـدن لاقضـي حـاجـة المتلــوم

    تـأوي لـه قلص النعـام كمـا أوت

    حـزق عانيـة لاعجـــم طمطـم

    كمـا تُعـد ناقتـه مُلهمتـه التي توصـله إلى محبـوبتـه وابنـة عمـه فيقـول :

    هـل تبلغنـي دارهـا شـدنيـة

    لعـنت بمحـروم الشــراب مصـرم

    خطـارة غـبّ السـري زيـافـه

    تطـسُّ الآكــام بـذات خـف ميثـم

    كذلك نجد في هذا السـياق ناقـة الشاعر كعب بن زهير وهي ترمز إلى الأمـل الذي تحمل من أجله ما تحمل من عناء فراق المحبوبة :

    أمسـت سـعاد بأرض لا يبلغهـا

    إلا العتـاق النجيبـات المراســيل

    ولـن يبـلغهـا إلاّ عــذافـرة

    لهـا علـى الايـن ارقـال وتبغيــل

    وكلما أمعتا النظر في العلاقة بين الشاعر الجاهلي والناقة ، كلما وضح لنا أنها كانت بالنسبة إليه كالملجأ الأمين الذي يقي صاحبـه الكثير من المصاعب . لقد لامسـنا صوراً تعبيرية عديدة للناقة في هذا الشعر ، فهي مثل الباب المنيف الممرد ، وبيوت الوحش في أصول الشجر ، وجناحيّ النسر ، والسقف المُسند ، والظهر العالي والكهف ، حيث وصف الشاعر طرفة بن العبد الناقة وصفاً إجمالياً من حيث قوتها وسرعتها وضخامتها ، كما تناول يديهـا بالوصف ، وأنّ رأسها عظيم سـامق قوي كسندان الحداد ، وعنقها كسُـكان السفينة يدفعها ويبطئ بها ويسرع ، أما خدّها فصقيل كقرطاس ، ووصف عينيها فجعلهما مرآتين في بريقهما ولمعانهما .


    تابع الرابع

    تعليق


    • #3
      الاخ العزيز / سعد الهاجري
      اسعد الهه مساك يالغالي
      الف شكر على هالمعلومات الرائعه
      والف شكر على هالجهد الرائع

      تحياتي

      تعليق


      • #4
        الاخ العزيز / سعد الهاجري
        مجهود جبار تشكر عليه ولاهنت
        مواضيع قيمه ومفيده جدا

        تحياتي

        تعليق

        يعمل...
        X