إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الابل الجزء الثالث والرابع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الابل الجزء الثالث والرابع

    وكلما أمعتا النظر في العلاقة بين الشاعر الجاهلي والناقة ، كلما وضح لنا أنها كانت بالنسبة إليه كالملجأ الأمين الذي يقي صاحبـه الكثير من المصاعب . لقد لامسـنا صوراً تعبيرية عديدة للناقة في هذا الشعر ، فهي مثل الباب المنيف الممرد ، وبيوت الوحش في أصول الشجر ، وجناحيّ النسر ، والسقف المُسند ، والظهر العالي والكهف ، حيث وصف الشاعر طرفة بن العبد الناقة وصفاً إجمالياً من حيث قوتها وسرعتها وضخامتها ، كما تناول يديهـا بالوصف ، وأنّ رأسها عظيم سـامق قوي كسندان الحداد ، وعنقها كسُـكان السفينة يدفعها ويبطئ بها ويسرع ، أما خدّها فصقيل كقرطاس ، ووصف عينيها فجعلهما مرآتين في بريقهما ولمعانهما .

    الشاعر الحطيئة ، لا يقل عن شعراء الجاهلية السابقين أسـلوباً ودقـة في الوصف ، وجزالة في اللفـظ ، ورصانة في المعنى ، فقد تناول الناقة في شعره ، وتحدث عن صفاته وألقابها ، فوصف جيدها وجعلها ظبية ترعى في شجر الصحـراء :

    وان غضبت خلـت بالمشــفريـ

    ن سـبائح قطـن وبرســا نسـلا

    وتحـدو يـديهـا زحـول الخطـا

    أمـرهمـا العصـب مـرا شــمالا

    وهـذا الشمّاخ الشاعر المخضرم والذي تفـنن في المـدح والهجاء ، إلى الحد الذي هجا فيه عشيرته وأضيافه وقـد قال في ناقـته :

    وعوجـاء مجـذام وأمـر صـريمـة

    تركت بهـا الشك الذي هـو عاجـز

    وظللت بأعـراف كـان عيـونهـا

    إلى الشمس هـل تدنـوزكى النواكـز

    وهجا الشـمّاخ الربيع بن علياء السلمي ، لأن ربيعاً أساء وتكبر وقال الهجـر والفحش ، لما رعى الإبل والظاهر أنها كانت ملكـا له وقـال :

    نبـئت أنّ ربيـعاً إن رعـى إبـلا

    يهـدي إلى خنــاه ثـانـي الجيـد

    ومدح أبو أُمامة غيـاث بن غوث التغلبي الملقب بالأخطل ، في إحدى قصائده يزيد بن معاوية ، وقد بدأ قصيدته بمقدمة غزليـة ذكـر فيها محبوبته سلمى ومرابعهـا ، التي طوّحت بها رحلة بعيـدة ، وكان يفكر في السبيل الذي يوصله إليها ، ولم يجد سوى (ناقته )، الموصوفة بصفات يستطيع بها أن يقطـع الفيافي ، كونهـا قوية ، حـادة العين وقال :

    بحـرة كأتـان الفحـل أضمـرهـا

    بعـد الربـالة ترحـالى وتسـيارى

    أخت الفـلاة إذا اشـتدت معـاقـدها

    زلت قـوى النسـع عن كبـداء مسيار

    ويقـول الأخطـل أيضـاً :

    كأنهـا بـرج رومـي يشــيده

    لـزبـجـص واجــر وأحجـــار

    أو مقفـر خاضـب الأظــلاف جـادلـه

    غيـث تظـاهـر فـي ميثـاء مبكــار

    قـد بـات فـي ظـل ارطــاه تكفئـه

    ريـح شـــاميـة هـبت بأمطـــار

    يجـــول ليـلتـه والعيـن تضـربـه

    منهـا بغـيث اجـسّ الرعــد تيـــار

    وللشاعر التغلبي عمرو بن شـبيم الملقب بالقطامي ، لاميـة شـائقة ، افـرد جـزءاً منهـا لوصف الإبل ، ومن جملة ما أورده القرشي ويخص الإبل قـولـه :

    أضحت عليـه يهتــاج الفـؤاد لهـا

    وللرواســم فيمـا دونهـا عمـــل

    حتـى تـرى الحـرة الوجنـاء لاغبـة

    والارحبـى الذي في خطـوه حطـــل

    خوصـا تديـر عيونا مـاؤها سـرب

    عـلى الخدود إذا مـا اغـرورق المقــل

    لو اغب الطـرف منقوبـا محاجـرها

    كأنهــا قلـب عـاديـة مكـــل

    يمشـين رهواً فـلا الإعجـاز خـاذلة

    ولا الصـدور على الإعجـاز تتكــل

    عُـرِفَ الشاعر الطرماح بن حكيم بن الحكيم والمكنى أبا نفـر وأبا ضبيـة بطول قامتـه ، وعشقه للإبل ، وكثيرا ما كان يتغزل بناقته ، بعد أن يمـزج قصيدته بالغزل والموعظة ، وله قصيدة ضادية خلص فيها إلى وصـف ناقتـه ، وصفاً بديعـاً بليغاً فيقـول :

    فهـي قــوداء أنفجـت عضـداهـا

    عـن زحـالـيف صـفصـف ذي دحـاض

    عوسـرانية إذا انتقــض الخـمــ

    س نطـــاف الفضـيض أي انتقـــاض

    صـنتـع الحـاجبيـن خرطـة البقـ

    ـل بديــا قبــل اســتكال الريـاض

    مـع رحــلات الإبــل :

    ويذكـر بأن الشعراء غالباً ما كانوا يتتبعـون الإبـل في رحـلاتها عبر الصحـراء : " ثم يدفع الشعراء الإبل أمامهم ، ويندفعون وراءها ، يتتبعـون رحلتها عبـر الصحراء الواسعة ، وما تجتـاز من جبال ووديان وآبار وأشجار وكثبان ومياه ، وما تتنكب عن يمين وشمـال من مواقـع ، ويسرف الشعراء كثيراً في تتبع رحلة الظعن ، وكأنمـا كانوا شـهوداً لهـا حقيقـة " .

    ويقـول في ذلك شاعر المعلقات زهير بن أبي سلمى :

    ردّ القيـان جمـال الحـيَّ فاحتمـلوا

    إلى الظهيـرة أمـر بينهـم لبـك

    مـا إن يكـاد يخليهـم لوجهتهـم

    تخـالج الأمـر أنّ الأمـر مشـترك

    يغشـى الحداة بهـم حرّ الكثيب كما

    يغشـى السَفائن موج اللجّـة العَرِك

    ومن المناظر الحضارية التي لفتت انتبـاه الشعراء الجاهليين ، منظر السفن السابحة في لُجّـة البحـر ، التي شبهوا بها ظعنهم ونوقهـم السابحة على صفحة الرمال ، وتصوروا في بعض الأحيان الإبل سُـفناً حقيقية فسموا البختي من الإبل أو ولده (الصرصور) ، وهو نوع من السفن معروف ، وسموا الناقة الطويلة العنق ( الشراعية ) ، والشراعية هي السفينة ذات الشراع وأطلقوا على الناقة التي عطفت على ولد واحد اسم (الخلية ) ، وهي السفينة العظيمة التي يتبعها زورق . وترجمة لهـذا أشـعار كثيرة سمت الناقـة بسفينة البّـر ، كقولهـم :

    رحلـن لشــقة ونصـبن نصـبا

    لواغـرات الهـواجر والسـموم

    فكـن سـفينها وضـربن جـأشـا

    لخمـس في مـأججــة أزوم

    كما سموا عنـق الناقـة شراعاً على نحـو ما هو موجود في شعر المسيب بن علـس :

    وكـان غـاربهـا ربـاوة مخـرم

    وتمـدثنـي جديلهــا بشـراع

    ونجد الإبل قد جاءت في المرتبـة الثانية بعد الخيل في أهميتها الحربيـة ، وفي الشعر الجاهلي ثمـة أحاديث كثيرة حول الإبل وقيمتها في المواجهة والدفاع عن القبيلة ومراقبة المغيرين ، فمن على ظهورهـا كانوا يرصدون الأعـداء . وقد أنشد عميرة بن طارق في هذا الموضع :

    ولمـا رأيت القـوم جـد نفيـرهم

    دعـوت بمنـى محـرزاً والمثـلمـا

    وأعـرض عنـي قعنـب وكأنمـا

    يـرى أهـل ودّ من صداء وسـلهما

    فكلفـت ما عنـدي من الهـم ناقتـي

    مخـافـة يـوم أن ألام وانــدما

    ولما كانت الإبل لا تصلح كثيراً لِقِراعِ الأبطال ، ولا تُحسن الكـرّ والفـرّ ، لأنها ثقيلات الأجسام ، يجفلنّ من قعقعة السـلاح ، فقد كانت في الغالب ترافق المحاربين تخفيفـاً عن الخيل وحفظاً لقـواها ، وقد قال الربيـع بن زياد :

    أفبعـد مقـتل مـالك بمضـيعـة

    ترجـو النسـاء عواقب الأطهـار

    مـا أن أرى من بعـد مقتـل مالك

    إلا المطـي تشــد بـالاكــوار

    ومجنبــات مـا يذقـن عـذوفـة

    يمصـعن بالمهــرات والألمهــار

    ديّــات بـاهظــة :

    وهناك قصص وردت وتحدثت عن الإبل ، وجعلها ( دِيَّـة ) لأسـرى الحرب والقتلى ، وقيل إن أكبر قيمـة دفعت في فداء أسير أيام الجاهلية هي ثلاثمـائة بعير دفعتها أم بسطام بن عبدالله فداءً لابنهـا ، وفي ذلك يقول شاعر بنـي سـعد :

    ومنـا رئيـس القـوم ليـلة ادلجـوا

    بهـوذة مقـرون اليـدين إلى المنحـر

    وردنـا منـه نخـل اليمـامة عانيـا

    عليـه وثـاق القـد والحلق الســمر

    وقال قيس بن العيزارة عندما أسّـرته قبيلة (فهـم) ، وأخذ سلاحه تأبط شراً ، يفدي نفسـه بالإبل والشاه ، فلم يقبلوا إلا بناقتـه النجيبـة (البلهاء ) ، العزيزة على قلبـه فقـال :

    قلت لهـم شـاء رغيـب وجـامـل

    فكلكـم مـن ذلك المـال شــابع

    وقـالوا لنـا البلهـاء أول ســؤلة

    وأعراسـها ، والله عني يــدافــع

    ويصـدق (شعل) من فـدائـي بكـرة

    كأنّك تعطـي من قـلاص ابن جـامع

    وعندما قتلت مراد قيسـاً الكندي ، خرج ابنـه الأشعث ثـائراً بأبيـه ، فأُسِـرَ وفدى بألف بعيـر ، وقيل بإلفي بعير ، وألف من الهدايا والطّرف ، فقـال :

    وهـم قتـلوا بـذات الجــار قيســا

    وأشـعث سـلسـلوا فـي غير عقـد

    أتـانـا ثـائــرا بـابيــه قيــس

    فاهـلك جيــش ذلكـم السـغمد

    فكـان فـــداؤه الفــي بعيــر

    والفـا مـن طـريفــات وتلــد

    ويمكننـا القـول بأنّ ما جـاء من شـعر الحـرب في الإبل قليـل بالنسـبة لما قبـل في الخيل ، لكن هذا القليل استوعب كل ما يتصل بالإبل من حيث دورهـا في حروب الجاهلين ، فقـد صوروهـا هدف المغيرين ومقصـدهم ومن أجلها بذلوا أرواحهم رخيصة ، ودافعوا عن حمـى القبيلة ، وصـدّوا المعتدين وجنبـوا بها الخيل وحملوا على ظهورها الرجال والسلاح والمتاع ، واستعانوا بها أحيانـاً في المعركـة وكثيراً ما كانوا يعقـدون الصلة بين الفارس المغامر وبين الحـرب المدمـرة والناقـة السيئة الطباع ، وما أن تنتهـي المعركـة حتى تنهـي الإبل النزاع فيفدون بها الأسرى ويدوّن بهـا القتـلى .

  • #2
    الرابع

    وغالباً ما توحي بعض الأشعار من أنّ العـرب كانوا يحاربون على ظهور الإبل ، ولذلك استعاروا للحرب صورة الناقـة الضروس العضوض التي لا تلد غير الذكور والكثيرة التناسـل ، كما وجدوا في الفارس الذي يكر على الأعداء شـبيها بالفحل الظامئ إلى المـاء ، ودم الطعنـة المتفجر من الجرح يشبه بانزاع المخاض الضوارب ، وما أن تنتهي المعركة حتى تقوم الإبل بدور المصلح ، فيفدون بها الأسرى ويدوّن بها القتلى ، وكثيرا ما ينتـزع الشعراء من طـبائع الإبل العنيـفة صورا يشـبهون بها أنفسهم وأعـداءهم أثنـاء الحروب ، فهم يمشون إلى الحرب غير مبالين بأخطارها ، ويسمون إليها سـمو الجمل في تطـاوله ورفعـة عنقه ويقول الشاعر في هذا المقام:

    إذا ســتنزلوا عنهـن للطعـن ارقـلوا

    إلى المـوت ارقـال الجمـال المصـاعب

    رجـال متـى يدعـوا إلى المـوت يرقلوا

    إليـه كـأرقـال الجمــال المصـاعب

    وقـال الشاعر عمرو بن قميئـة حول كيف كان الشعراء يلبون نـداء الحرب على ظهور الإبـل النجيبـة :

    وحـيّ من الأحيـاء عـود عـرمــرم

    مـدل فلا يخشـون مـن غيب اخيـاف

    سـمونا لهـم مـن أرضنـا وسـمائنـا

    نغـاورهـم مـن بعـد أرض بايجـاف

    علـى كـل معـرن وذات خــزامة

    مصـاعيب لم يذللـن قبـلي بتـوقـافِ

    كما تـدلّ الأبيـات التي قالهـا الشاعر ثمـامة بن عـارم على أن المقاتلين كانوا يواجهـون أعداءهم على ظهور الإبـل ، وكانوا يكرون بهـا ويفـرون ، تمـاماً مثلمـا يفعلون وهـم على ظهـور الخيـل :

    رددتُ لضـبة أمــوالَهــا

    وكـادتْ بــلادُهـم تُسـتلبْ

    بكـرّ المطــيّ وانعــابـه

    وبالكــورِ اركبــه وبالقَـتب

    لقد تعلق الإنسـان الجاهلي في حيـاته بظـاهـرتين هامتين همـا : المطـر والإبـل ، لأنّ طبيعـة الحيـاة الرعـوية فرضت عليه تقديرهما ، ولان الصـحراء الظامئـة لا يطفئ عطشها إلا المطر ، والحناجـر الجافة لا ترتوي إلا بلبن الناقـة ، ولان الناقـة تشـتاق للمطر وتفـرح به ، ولان رحـلات الصحراء والهجرات المتوالية كانت – في أغلبها – بحثـا عن الماء والمرعى .

    وصـور الشعر الجاهلي شوق الإبل إلى المطـر وفرحها به ، فهي لذلك تشـيم (تقدير أين موقع البرق) ، البرق وتتعرف على مسقط الغيث وتنـزع إليه ، وقال الشاعر الطفيل الغنـوي واصفا ذلك :

    ظعـائن أبـرقـن الخـريف وشـمنه وخفـن الهمــام أن تقـاد قنـابلـه

    علـى اثر حيّ لا يرى النجـم طالعـا مـن الليـل إلا وهـو بـاد منـازلـه

    ومـن جميـل قـول الشـعراء في وصـف النـاقـة مـا قـالـه الشـاعر بشـامة بن العـذير :

    كـأنّ يديهـــا إذا أرقـلت

    وقـد حـرن ثـم اهتـدين السـبيلا

    يـدا سـابح خـرَّ فـي غمـرة

    وقـد شــارف المـوت إلاّ قليـلا

    إذا أقبلـت قلـتُ مشـحونـة

    أطـاعت لهـا الريـح قلعـا جفـولا

    وأن أدبـرت قلـت مـذعـورة

    مـن الـرّبـد تتبـع هيقـا ذمـولا

    أمـا كيف تأتّـي للشعراء كل هذا الزخم والإلهـام في وصف الإبـل ، وتضمينها في قصائدهم بجملة الخصال والأوصاف التي أوردنـاها في سياق هذا الباب ، فإنّ الشعراء كانوا يعيشون مع قبـائلهم وبين جنبـات أوطـانهم حيث المراعي والآبـار ، وعرفوا عن كثب ، بل عن ممارسة وطول خبرة الكثير عن حياة الإبل ، كما أنّهم عرفوا كل المجالات التي أدت فيها هذه الحيوانات التراثية الحساسة دوراً ونفعاً في حياة العربي من ركوب وحمل ولبن ولحم ودفء وجَمال معـاناة في المـفاوز والقفار ، وهجير الصحراء ولفحها ودفع الديّات وحقن الدمـاء وتزويج الشباب وزفـة العروس والظعائن المرتحلات وجلب الماء من الآبار وصيد الوحش والغزلان مما تزخر به حياة العربي في صحرائه الغنيـة بالخيـال الخصب والشاعرية النادرة ، وقد فتحت لهم هذه الصحراء نوافذ مشـرعة وفضاءات جميلة كي يبدعوا في وصفهم للنـاقة ، فإذا تناولوا موضـوعاً يصفـونه ألمـوا بجميـع أجزائه وجمعوا كل عناصره ، لا يكادون أن يذروا منها شيئاً ، وتسللوا إلى كل المعاني البديعـة خفياً أو ظاهراً ، ومن مجموع الدقائق والأجزاء كونوا له صورة واضحة المعالم ، وكانت كل كلمة أو معنى تضيف مَعلماً من مَعَالِم الصـورة ، ويختارون الألفاظ الدّالة حتى ينظر إلى الصورة وقد بدت ألوانهـا وحركاتها ، ويظهـر هذا في ما عرضنـاه من شعر لاسيما ما قاله شاعر المعلقات طرفة بن العبد في ناقتـه الأثيـرة ، فقد وصفها بالسرعة والقوة والأمـان والضخامة والاحتمـاء بها ، والمتانة كالجمل ووثاقـة الخلق واكتناز اللحم ، والطول كالنعـامة ، وهي زعراء ، ربداء ، تصلح للسباق فتباري عتـاق النـوق ، وهي ناقـة توافر لها الربيع النامي ، والحدائق الخضراء ، فكان ذلك سبب سمنها وضخامتها وألا يعتريها الخـلاء والحران ، وتستجيب بسرعة لصوت الداعي وتأتمـر بأمر الزاجر . كما تناول ابن العبد أذنيها فجعل إحساسهما قوياً تتسـمعان الهمس ، وتحسـان الخطر ، وعينـاها محددتان كالحربـة ، ومن ينظر إليها سيعرف على الفور كرم أصلها ونجابتهـا. وقال الشاعر أبو ذؤيب الهذلي وهو أحد الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية وفي الإسـلام في الناقـة :

    تغـدو بـه خـوصــاء جريهــا حـلق الرحـالـة فهــي رخـو تمـزع

    ووصف الشاعر الأخطل سـلوك ناقتـه عندما يخفيهـا ويعقبهـا بســوطه قائـلاً :

    إذا عاقبتهـا الكـف بالسـوط راوحت علـى الابـن والتبغيــل بالخطــران

    بـذي خصـل سـبط العسـيب كأنه علـى الحـاذ والانسـاء غصـن أهــان

    كـان مقيهــا إذا مـا تحــدرا علـى واضــح مـن ليتهـا وشــلان

    أمـا ناقـة الشاعر الحارث بن حِلِـزّة اليشكري فهي سريعـة كالنعامة ، وهي أم تعيش في أرض متراميـة ومرتفعـة فوق الأرض ، وهو يتلهى في الهواجر ويتخلّص من همّـه وبالسـفر ، فيقـول :

    أتلهّـى بهـا الهواجـر إذ كـلـ لُ ابن هـمّ بلبـة عميـاء

    ونختتم هذا الفصـل بما قـاله الشاعر مهيـار الديملي عن الإبل ويبـاعد بينها وبين الأذى بعصى الرعـاة لأنهـا إبل مكرمـة عليه ، ويكفي أن تجرّ شـأن الحرَّ الذي تكفيه الإشـارة فهي إبل كالسـادة ، فيقول وقد كتب بها إلى أبـي سعيد عبدالرحيم الذي رجع من الحج :

    رعـت بيـن حاجـزوا لنعـف شـهراً

    جميمـاً وعبـت شـآبيب غــزرا

    مراحـاً مجلـلة عُقـلهــا

    تـرى الخصب أوسـع من أن تجـرا

    مكـرمة عـن عصـي الرعـاة

    فـان كـان لابـد روع فـزجــرا

    ولا ظعـن ثـم مرحــولة

    تجـرّ الجنـوب ولا ضـيف يقــرى

    بقلم : محمد رجب السامرائي و محمود اسماعيل بدر



    تحياتي لكم

    تعليق


    • #3
      الاخ العزيز / سعد الهاجري
      مجهود جبار تشكر عليه ولاهنت
      مواضيع قيمه ومفيده جدا

      تحياتي

      تعليق


      • #4
        الاخ العزيز / سعد الهاجري
        مجهود جبار تشكر عليه ولاهنت
        مواضيع قيمه ومفيده جدا

        تحياتي

        تعليق

        يعمل...
        X