إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

( من بادي الوقت ) قراءة فنية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ( من بادي الوقت ) قراءة فنية

    اسأل الله الهدى و السداد ...

    قراءة فنية لقصيدة ( من بادي الوقت )
    للشاعر الكبير صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل

    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

    ( النص )

    [poem=font="Simplified Arabic,4,#00FF2C,normal,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
    من بادي الوقت هذا طبــع الايامي __=_ عذبـــــات الايــــام ما تمدي ليالـــيها


    حلو الليالي توارى مثل الاحـــــلام __=_ مخطور عني عجاج الوقت يخفيــــها


    أسري مع الهاجس اللي ما بعد نام _=__ واصور المــاضي لنفسي واســــليها


    أخالف العمر أراجع ســــالف أعوام __=_ وانوّخ ركــــاب فكري عند داعــيها


    تدفا على جال ضوه بارد عظـــــامي __=_ والما يسـوق بمعاليقي ويـــرويها


    إلى صـــــفالك زمـــــانك عل ياظامي _=_ اشرب قبل لايحوس الطين صافيها


    الوقت لو زان لك ياصاح مـــــــا دام _=__ياســرع ما تعترض دربك بلاويـها


    حتى وليـــــــفك ولو هيــّــــم بك هيام __=_ ســـيور الايام تجنــح به عواديها[/poem]


    *************************************





    ( القراءة الفنية )

    تمهيد ...

    تكمن الصعوبة في قراءة مثل هذا النصوص من عدة جوانب لعل من أهمها شهرتها و بالتالي كثرة المتناولين لها بمختلف الأدوات التحليلية و تباين المستويات النقدية لها مما يؤدي إلى أنه قد تكون تعمقت صورة نمطية في ذاكرة المتلقي عنها وفقا لقراءته أو لما قد أطلّع عليه .
    و منها أيضا ما قد يكون قد تبلور من أحاسيس ولّدتها هذه النصوص عند تلقيها الأولي و ما تم من ربط بينها و بين مواقف معينة في حينه تُستدعى نفسيا عند تكرار سماعها أو قراءتها أو مطالعة أي تناول لها مما يؤدي لصعوبة إحلال رأي جديد أو تقبله إن خالف أو عبّر برأي لا يتوافق مع تلك الأحاسيس التي تجذرت في الأعماق النفسية لذلك المتلقي .
    و من جوانب الصعوبة أيضا إقصاء الرؤى الأخرى المباينة لرؤية من رأى النص من زاوية أحادية ظنا منه بأنها الأمثل أو الوحيدة و يتمثل ذلك النهج في قلة ممن لا يرون أن المخالفة بابا يمكن أن تلجه مختلف الأطياف التي في تعددها و تباينها مسلكا تكامليا تُثرى بها النصوص و يتقدم به الحراك الأدبي خطوات في ميدان رحب يشمل الجميع .
    و بالرغم من ذلك كله و غيره فإن فرائد القصائد و منها هذا النص الثري و البالغ الدقة في مبناه ومعناه حق مشروع لمن أراد إبداء رأيه فيه وفق آلية تتضمن القدرة على إبداء الرأي القائم على الإضافة النوعية و التحليل الفني المنبعث من الكفاءة و المهنية و القدرة الذاتية و الخبرة المكتسبة. لذا سأدلي بدلوي في هذا المجال بقراءة هذه القصيدة ( من بادي الوقت ) وفق آليتي في التحليل و القراءات الفنية للقصائد القائمة على النقد الأدبي الفني الحر نائيا بحرفي و فكري عن نمطية النقد الأكاديمي و بعض النظريات المتخشبة .

    تابع ...
    (( كل أمرٍ ليس له نهاية ...بدايته خطأ )) من تجاربي !!!

    wadanym@hotmail.com

  • #2


    ( من بادي الوقت ..... ) العنوان ..

    من بادي الوقت كعنوان معبر ـ لهذه القصيدة التي طفقت عبر الآفاق و سارت بها الركبان وارتوت بها الأفئدة جمالا في حينها و لا تزال ـ لا بد أن يأخذنا في جولة تقديمية موجزة عن كيفية صياغة العناوين ـ لأنها من وجهة نظر خاصة بالغة الأهمية ـ أيا كانت نوعية العمل الأدبي المعنونة و الشعر من باب أولى قبل أن نتحدث عنه كمدخل لنص القصيدة و مدى الترابط العضوي فنيا و لغويا بينهما.
    صياغة عنوان العمل بعموميته و الأدبي خاصة يمر بعدة مراحل و له عدة أشكال و بالإحاطة بها تتمايز الصياغات و تتجلى الحرفية فيه مما ينعكس على العمل ذاته , و للفائدة فإننا سنقدم بعض العموميات لكيفية صياغة العنوان ..
    وبما أن العنوان مفتاح من مفاتيح النص الشعري ـ مجالنا ـ بل قد يكون البوابة الأولى التي قد نرى منها بعض الملامح الجمالية الفنية و البنائية لما خلفه فإنه قد يستخلص من روح النص حيث تتم صياغته وفق رؤية الشاعر الداخلية لنص قصيدته , و قد يشير للمعنى و لكنه لا يفضحه من مبدأ التلميح لا التصريح , و قد يستقطع من سياقه كما هو الأسلوب الذي انتهجها شاعرنا في هذه القصيدة المخملية , كما أنه قد يأخذ الدلالة الرمزية للإيحاء بصورة بلاغية كالاستعارة وغيرها . و كما أن صياغته تحتاج لحرفية فإن توقيتها لا يقل شأنا عن كيفيتها من حيث قبليته أو بعديته للنص مع العلم أن كتابته بعد الانتهاء أولى و أجدى لواقعيتها من حيث القدرة على احتواء المعنى . و هذا العنوان (من بادي الوقت) قد صيغ في شبه جملة حصرية تفيد معنىً حصريا محددا لنقطة معينة هي البداية للانطلاق لما بعدها و هي جزء من الوقت الذي أراد الشاعر منا الولوج من خلاله للتدرج في الوصول لمعناه اللاحق , و لتصويرها تحديدا بتحليلها بنائيا فهي تعبير عن القول (منذ بدء تأريخ البشرية) أي منذ قديم الزمان و بمعنىً آخر أي منذ بدأ تفاعل الإنسان مع المواقف الحياتية و ما أفرزه ذلك الصراع من تجارب تباينت مخرجاتها بين قبوله و رفضه و فرحه وحزنه ....الخ . تميز هذا العنوان بدرجة عالية من الجودة حيث برزت طاقته الدلالية جلية من خلال القدرة الحرفية على حُسن الصياغة و الدقة في الانتقاء و ملامسة اللغة المحكية القائمة. و قد يكون تفسيرا للمتغيرات الحياتية و أن دوام السعادة أمر لا يمكن تحققه و منها ما يتعلق بالمشاعر والوجدانيات والعاطفة التي استشفيناها من تحليل العنوان . وهو ما سنتعرض له في قراءة النص الذي قدّمنا له من خلال المدلول الجزئي لعنوانه .


    يتبع ...
    (( كل أمرٍ ليس له نهاية ...بدايته خطأ )) من تجاربي !!!

    wadanym@hotmail.com

    تعليق


    • #3
      ارررررررررررحب يابومحمد



      مجهود رائع تشكر عليه
      al-askar111@hotmail.com



      [poem=font="Simplified Arabic,5,#FF2600,bold,italic" bkcolor="" bkimage="" border="double,4,#400000" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
      من صاحبي زلته لاجات امشيها=اما على حشمته والآ لشيبانه


      اطا عليها ولا كني بموحيها = واصد عنها وابرر غلطة لسانه


      واحسب عواقيبها والله يعديها = من خوف لايدري الحاقد وشيطانه[/poem]

      تعليق


      • #4
        الاستاذ القدير أبو محمد
        كل عام وانت بألف خير
        أشكرك على هذا المجهود
        وعلى الانتقاء الرائع
        [poem=font="Simplified Arabic,5,#97311A,normal,normal" bkcolor="" bkimage="" border="none,4,#400000" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000"]
        ماكبا الفارس ولكن الجواد اللي كبا = فارسك شهمٍ ولاهي سبته كبوة حصانه
        من يلحقني الرديه قلت يخسا ويهبا = جايزة شرواه من مثلي ترى قطعة لسانه[/poem]

        im-vip-1@hotmail.com

        تعليق


        • #5
          يامرحبا ياااامبااارك

          والله يسعدك في الداااارين ياغااالي

          والله لايهينك على هاذى الانتقاء الراااائع

          تعليق


          • #6
            الغالي أبو مبارك تشرف كل موضوع تمره لا هان راسك

            الأخوة غريب و رايد

            الله يرفع قدركم ...

            و كلنا نتعلم من بعضنا البعض...
            (( كل أمرٍ ليس له نهاية ...بدايته خطأ )) من تجاربي !!!

            wadanym@hotmail.com

            تعليق


            • #7
              ( من بادي الوقت ..... ) قراءة نص القصيدة ..

              بدأت القصيدة كجواب لتساؤل افتراضي منطوقه ( من متى و طبع الأيام هكذا ؟ ) ليأتي المشد استجابة جزئية بتحديد الوقت و تجاهل ماهية الطبع ليبُقي الشاعر متابعيه في ترقب لما أُخفي أوسُكت عنه على هيئة ما يُسمى بعنصر الجذب بقوله ( من بادي الوقت و هذا طبع ليـّامي )
              ـ حيث كُنبت ( الأيامي ) كما تنطق ـ التي اجتزأ منها ( من بادي الوقت ) كعنوان ذا دلالة معبرة كما سنرى لاحقا , و لكن ما هو ذلك الطبع الذي سارت عليه الأيام من سالف الزمان ؟ و هل الطبع في الأيام ذاتها ؟ أم أنه إشارة ظمنية لتطبعها بطبائع أهلها ؟ كما أثبت ذلك في بيت آخر من قصيدة أخرى ...
              (لمت الزمان و لايم الوقت غلطان = حوادث الايام من فعل اهلها)
              تأتينا الإجابة مباشرة في عجز البيت ( عذبات ليـّام ما تمدي لياليها ) إذ أن الأيام العذبة و هو تعبير مجازي بجملة دارجة مستساغة إذ شبهها بالماء العذب الزلال لا يمكن أن تستمر أو تطول إذ أنها لا تتجاوز حتى فترة النهار القصيرة لتمتد إلى الليل , فمفردة ( تمدي) ذات الطاقتين الصرفية باستمرارية حال الفعل و الدلالية الوافية بذاتها لتحقيق المعنى أكسبت المعنى العام للبيت أبعادا أخرى قد يكون منها أن السعادة لا تدوم أيها الظامئ لتلحق بها و لتتمكن من ارتشافها .
              ( حلو الليالي تورى مثل لحلامي ) و سواءً تهللت بالسعادة غرر الأيام أو فاحت بها ذوائب الأماسي فهي كالأحلام المناميّة (توارى) ـ أي تتوارى ـ إذ تألق الشاعر باقتناص هذا الفعل بالذات ذا الطاقة الصرفية المبهرة , فلو قال (توارت) لحجّم المعنى في صورته الماضية و لكنه أراد إثبات حقيقة لا تزال في ديمومة مع تعاقب الأجيال و مما زاد قوة طاقته من الناحية الدلالية أنه صوّر لنا مشهد فني مسرحي للأحلام لحظة ذوبان أطيافها خلف ستارة المسرح معبرا عن ذلك بمفهوم التواري . بالستائر التي تمثلت لنا في عجاج الوقت ضمن عجز البيت ( مخطور عني عجاج الوقت يخفيها ) حيث أخذنا الشاعر فنيا في صورة بيئية مجازية يتقارب فيها الواقع بالخيال فيما يُعرف بالسهل الممتنع و القاسم بينهما (عجاج) الذي تقترب به الرؤية من خلال المقارنة بين إضافة الصحراء أو الوقت إليه , و من هذا الشطر تبدأ المخاطبة للذات أو كما يقال التفكير بصوت مرتفع عبر( عني ) و برمزية (مخطور) دلالة عن الحذر المستخلص من تراكمات و تجارب السنين بعدم الركون لساعات الفرح المتقلبة و الغير دائمة .
              ( أسري مع الهاجس اللي ما بعد نامي ) ليسري و نسري معه برفقة ذلك الهاجس الذي تمثل في الدافعية الذاتية القوية لرصد ما أراد إيصاله إلينا من بلورته لتجاربه مع الوقت في هذا القالب الشعري المهيب أو قد يكون هاجسا آخر عبّر عنه ظاهريا بما في ظاهر القصيدة و واراه لخصوصية السبب , أيا كان فإن ذلك الهاجس كان مؤرقا و ملهما في الوقت ذاته , و جمالية هذا الشطر البنائية تمثلت في التوافق الجميل بين (أسري) ذات الطاقة الصرفية المتمثلة في قوتها المستمرة و ( ما بعد نامي ) المسبب الحاضر و المستمر في ذلك المسرى ,كما لا تقل عن ذلك كصورة فنية رفيعة المستوى من حيث الكناية عن التوحد بينهما أو لنقل المرافقة و الملازمة إذ صوّر الهاجس و كأنه شيء مادي ملموس يسامره و يجاريه في مسرىً حقيقي.
              ( و اصوّر الماضي لتفسي و اسليها ) في هذا الشطر نقلة نوعية أخرى إذ تتجلى فيه الصورة الفنية في مشهد رومانسي بصري سمعي متحرك بينه و بين النفس تمثل في فلسفة التصوير لماضٍ قد يحتوي على ما لا يمكن تصويره أو تجسيده أو نقله كصورة مشاهدة مثل المشاعر و الأحاسيس و ما شابه ذلك , و الرمزية السمعية تمثلت في (أسليها ) و كأن هناك حوار حقيقي أو سرد قصصي يسلي به الشاعر نفسه من عناء تراكمات تجارب عميقة الأثر مع الاستدلال بما استعاده من صور الماضي عامة أو بما يعنيه .
              ( أخالف العمر اراجع سالف اعوامي ) و لا تزال قناة التواصل مع الماضي ـ الذاتي ـ مشرعة الأبواب باجترار الذكريات بفعلين مستمرين (أحالف,أراجع) و قد يبدو من القراءة الأولية أن التكرار هذا لم يضف شيئا حيث أن مخالفة العمر هي هي العودة لسالف الأعوام لكن المعنى الحقيقي زاده ذلك التكرار قوة و جلاء إذ أن مخالفة العمر هي عودة مجازية بلاغية تفنن الشاعر في بلورتها في صورة فنية تدب فيها الحركة تعبيرا عن التذكر , أما المراجعة لسالف الأعوام فهي تعبير عن وقفة مع النفس و ربط للحوار السابق مع الذات .
              ( و انوّخ اركاب فكري عند داعيها ) لم ننفك مرتبطين بالبيئة الصحراوية التي صبغت هذه القصيدة نصا و روحا بصور بنائية ذات نكهة بريّة , ( أنوّخ , ركاب ) مفردات بدوية تخص ابن الصحراء و لهما من الوقع النفسي و الجرس الموسيقي ما يدلل على أثر طاقاتهما الصرفية و الدلالية و الصوتية , فما أبلغ تقريب الصورة بنزول ذلك الساري فكرا و توقفه بعد ذلك المسرى الشاق و الطويل بكل همومه ومعاناته و تصوراته و رؤاه الذي جسدها في هيئة (ركاب) أي جِمال أو قافلة عند ذلك الداعي من عمق صحراء السنين الماضية و خلف آكام التجارب الحياتية .


              يتبع ....
              (( كل أمرٍ ليس له نهاية ...بدايته خطأ )) من تجاربي !!!

              wadanym@hotmail.com

              تعليق


              • #8
                ( تدفا على جال ضوّه بارد عظامي ) المشهد ليلي خارجي مشبع بالبرودة و مليء بالحركة و الضوء والصوت تكثفت فيه الأخيلة و تداعت فيه الصور الجمالية فنيا و بنائيا , شتوية المشهد التي صورتها المفردات (تدفا,ضوّه,بارد) تُشعر بشيء من القشعريرة الحسية و المعنوية و هنا تكمن قوة الشاعرية بحفز النواحي النفسية لدى المتلقي .

                ( و الما يسوق بمعاليقي و يرويها ) في ذات المشهد و لكن بنقلة تصويرية مغايرة يورد (الماء) و هو رمزية لمقاومة العطش حسيا و للجفاف الوجداني و العاطفي و الفكري معنويا , (يسوق) أضفت هذه المفردة التي لم تكتفي بصرفية طاقتها و لكن لدلالتها أيضا رونقا شعبيا للشطر الذي بدأ بالسياق ( الما يسوق بمعاليقي ) المتكلَم به في لهجتنا الدارجة كجزء من سياقاتها المتداولة .
                تبدو لنا مفارقة إبداعية ـ تجلت فيما يشبه التناقض بين معنيي شطري هذا البيت إذ أنه تارة يريد الدفء وتارة يبحث عن ما يطفئ به ظمأه ـ صورت حجم المعاناة و ما سيخرج من أحشائها من اعتبار وفق فلسفة فكرية يقدمها الشاعر كوجهة نظر خاصة مستخلصة من تجاربه الذاتية ستأتي لاحقا بعد أن دفأت مداركه بتجارب السنين و روت ذاته بمخرجات خبراته.
                (إلى صفا لك زمانك عل يا ظامي) (أشرب قبل لا يحوس الطين صافيها) تتحول القصيدة انطلاقا من هذا البيت لمخاطبة الآخر والانتقال من الرمزية التخيلية في البناء الفني لها إلى الواقعية المباشرة في توجيه الخطاب و لمحاولة العبور من أسوار الذات بكل ما تأتى لديه من مخزون فكري و عاطفي و تصوري مما سلف لمواجهة الواقع و إظهار البصمة الخاصة والمستمدة من خبرة تراكمية على هيئة وصايا و حِكم .
                يعتبر هذا البيت من عيون الشعر الشعبي معنىً و مبنى و لواقعيته و مصداقيته تناقلته الناس كمثل دارج بينها يعبر عن المسارعة في انتهاز الفرص قبل غيابها أو تغييبها , و في جماليته البلاغية ما يميزه من خلال تشبيه الزمن بالماء من حيث الصفا و الكدرة المتمثلة في الفعل (يحوس) أي يكدر الطين صفوه كما قد تكدر الهموم صفو الحياة و الظامي بينهما واحد و لعل في تواجد الفعل (عِلّ) ذا الصيغة الآمرة ما يدلل على المبادرة و الإكثار و المسارعة في ذلك , و يربطه بالبيت السابق مائية المعنى الحسية و المعنوية .
                ( الوقت لو زان لك يا صاح ما دامِ) و كما أن الفعلين (عِلّ,يحوس) السابقين يفيدان في صيغة المبالغة و التعظيم من شأن الأمر فإن هذا الشطر يأتي توكيدا لما ذهب إليه الشاعر و تذكيرا بما بدأ به في مطلع مشد القصيدة (من بادي الوقت) و يعتبر هذا الشطر أيضا من الأمثال التي شاعت وانتشرت عندما يراد التحذير من أي شيء فمهما طاب فإنه لا يستمر .
                ( يا سرع ما تعترض دربك بلاويها) و التفسير يأتي مباشرة في الشطر الثاني من نفس البيت كسياقٍ متمم للمعنى و رابطا له بانسيابية بنائية لا تشعر معها بفاصل حيث التحول في الصياغة التجريدية بوصف هذه الحالة مجازيا إلى صياغة واقعية شواهدها في حالة ملموسة ذات صورة وصوت و حركة دلل عليها بالسرعة و الاعتراض و الدرب , و دلالة معناه الظاهرية تستمد قوتها من توافقها مع دلالته الضمنية و التي مؤداها أهمية المسارعة لإغتنام الفرص .
                ( حتى وليفك و لو هِيّم بك اهيامي ) ( سيّور ليـّــام تجنـح به عواديها )
                و يأتي هذا البيت بكل إيحاءاته ـ سواءً أكانت المكشوفة من السياق الظاهري له أو ما يتضمنه داخليا ـ العاطفية أو الإنسانية أو الوجدانية و غيرها مما يمكن أن يستنبط منه كشاهد لتوكيد مضامين أبيات الحكمة السابقة و رابطا للسياق العام للقصيدة من ناحيتي المعنى و المبنى .
                (حتى) ذات الطاقة الدلالية العميقة وردت للحصر و بها تكمن الحرفية الأدبية في القدرة على الانتقاء و الذي دائما ما نركّز عليه , و الرسالة التي وصلت بكل تأكيد مفادها أمرين هما :
                * أن تغيّر الوقت حتمي و عليه و بالضرورة أن تعيش جماليات فرحه قبل فواجع ترحه
                * أن العلاقات العاطفية مهما علت درجاتها و الذي أُشير إليها بـ ( هيّم بك هيامي ) لا بد أن تهب عليها الرياح المربكة و عليه لا بد من أخذ الحيطة .
                (سيّور) من جماليات النص الشعبي المميز أنه يقربنا من بيئتنا باقتباسه لبعض المفردات الدارجة في مجتمعاتنا لتبدو كاللآلئ ترصع صدره و منها هذه المفردة التي تناظر معنى (لابد) التي لو وضعت مكانها لما احتل الوزن و لكن الصورة الجمالية تحققت بوجود (سيّور) .
                أما الحديث عن تقييم مستوى الوزن و القافية في قصائد هذا الشاعر الكبير و المدرسة الشعرية الفكرية المتفردة بذاتها فهو ضربٌ من الجهل ونعتٌ للسحاب بأنه سراب .. فالمعروف لا يعرّف !

                تمت القراءة بحمد الله
                مبارك الودعاني
                السبت 16/10/1431هـ
                (( كل أمرٍ ليس له نهاية ...بدايته خطأ )) من تجاربي !!!

                wadanym@hotmail.com

                تعليق

                يعمل...
                X